الأربعاء، 10 يونيو 2015

خفف السرعة

تخرج‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المنزل،‭ ‬تغلقه‭ ‬وتمشي‭ ‬إلى‭ ‬سيارتك،‭ ‬تشغل‭ ‬المحرك‭ ‬لتبدأ‭ ‬حياتك‭ ‬بانطلاقة‭ ‬سريعة‭ ‬نحو‭ ‬الطريق‭ ‬العام‭. ‬لتلتحق‭ ‬سيارتك‭ ‬بموجة‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬ابتلعها‭ ‬الطريق‭. ‬أنت‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬وعضو‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬وسرعتها‭. ‬يخفف‭ ‬السائق‭ ‬الموجود‭ ‬أمامك‭ ‬فتقوم‭ ‬بالمثل،‭ ‬يزيد‭ ‬سرعته‭ ‬فتحذو‭ ‬حذوه‭. ‬هي‭ ‬موجة‭ ‬ضخمة‭ ‬متجانسة‭ ‬تمشي‭ ‬عبر‭ ‬تيّارها‭ ‬الذي‭ ‬يتحكم‭ ‬بك‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مقصدك‭. ‬فتعطي‭ ‬إشارة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬العظيمة‭ ‬وتنفصل‭ ‬عنها‭  ‬لتسكن‭ ‬روحك‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬انسانيتك‭.‬

أذكر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬صغيرًا،‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المنزل‭ ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭. ‬أمشي‭ ‬الهوينى‭ ‬وأرى‭ ‬مايدور‭ ‬حولي‭ ‬بعين‭ ‬بصيرة‭. ‬أقرأ‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬أخترقها‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬طريقي‭. ‬تشد‭ ‬انتباهي‭ ‬الأشياء‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬أخطو‭ ‬بجانبها‭ ‬أو‭ ‬أدوس‭ ‬عليها‭. ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النمل‭ ‬تعمر‭ ‬بيتها،‭ ‬تحفر‭ ‬وتجمع‭ ‬حبيبات‭ ‬الرمل‭ ‬الرطبة‭ ‬تكوِّرها‭ ‬وتقذف‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحفرة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬باعمارها‭. ‬أقف‭ ‬ارقبها‭ ‬وأتفكر‭ ‬فيها‭. ‬أمشي‭ ‬تحت‭ ‬السدرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬فأرفع‭ ‬رأسي‭ ‬لأرى‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الطيور‭ ‬تعلوها‭ ‬وهي‭ ‬تغرد‭ ‬بسمفونيات‭ ‬جميلة،‭ ‬أملأ‭ ‬أذني‭ ‬بموسيقاها‭ ‬العذبة‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬طريقي‭. ‬أمشي‭ ‬بهدوء‭ ‬كي‭ ‬لاأزعج‭ ‬ماحولي‭. ‬ألتقط‭ ‬ورقة‭ ‬برّاقة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬أرفعها‭ ‬وأتأمل‭ ‬انعكاس‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬عليها،‭ ‬أرى‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ويعجبني‭ ‬تغير‭ ‬لونها‭.‬

كانت‭ ‬سرعة‭ ‬الحياة‭ ‬حولنا‭ ‬عادية‭ ‬ذات‭ ‬ايقاع‭ ‬بطيء‭. ‬نتأمل‭ ‬ماحولنا‭ ‬بحب‭ ‬ونتذوق‭ ‬جماله‭ ‬بصدق‭. ‬يحلق‭ ‬بنا‭ ‬هذا‭ ‬التأمل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬فكري‭ ‬رفيع‭ ‬واستقرار‭ ‬نفسي‭ ‬جميل‭ ‬نفتقده‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ . ‬كنا‭ ‬نستغرق‭ ‬في‭ ‬التفكر‭ ‬في‭ ‬صغائر‭ ‬الأمور‭ ‬وكان‭ ‬لدينا‭ ‬الوقت‭ ‬لذلك‭. ‬كنا‭ ‬نعزف‭ ‬أمور‭ ‬حياتنا‭ ‬بايقاع‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬ماهيتنا‭ ‬كبشر‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬لنتلذذ‭ ‬باللحظة‭. ‬نعيش‭ ‬حياتنا‭ ‬بلحظتها‭ ‬فلا‭ ‬نسترجع‭ ‬ماض‭ ‬يعكر‭ ‬صفوها‭ ‬ولا‭ ‬نخطط‭ ‬لمستقبل‭  ‬يسرقنا‭ ‬من‭ ‬عيشها‭. ‬فنحن‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬نحاول‭ ‬اسعاد‭ ‬انفسنا‭ ‬واسعاد‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬

حتى‭ ‬غدونا‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمرنا‭ ‬لدرجة‭ ‬أننا‭ ‬لانعرف‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬تفاصيل‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬تقطنه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات؟‭ ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬لون‭ ‬الرصيف‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الشارع؟‭ ‬كم‭ ‬شجرة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬شارعكم؟‭ ‬مانوعها؟‭ ‬هل‭ ‬تسكنها‭ ‬طيور‭ ‬مغردة؟‭ ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬لدى‭ ‬المنزل‭ ‬المقابل‭ ‬لسكنك؟‭  ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬أعمدة‭ ‬الإنارة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الموجود‭ ‬خلفكم؟‭  ‬تفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬لانعرفها‭ ‬لأشياء‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬ماتكون‭ ‬منّا‭. ‬لأننا‭ ‬ببساطة‭ ‬مستعجلين‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭. ‬

نصيحة‭ ... ‬عش‭ ‬حياتك‭ ‬وخفف‭ ‬السرعة‭.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...