الإجازة على الأبواب ... فرصة لتغيير روتين الحياة اليومي ... أخذ قسط من الراحة ... الحصول على بعض من المتعة ... استقطاع وقتٍ للتأمل ... و تقييم جودة الحياة لسنة مضت ... و التخطيط لجودة أفضل لسنواتٍ قادمة ...
فلاح موظف لدى شركة كبيرة ... يبذل قصارى جهده في عمله ... يرهق نفسه لأداءٍ أفضل ... متفانٍ في عمله ... فالعمل هو الرقم واحد في حياته ... هذا إذا كانت لديه حياة أصلاً ... حيث سخَّر جُلَّ طاقته للقيام بعمله ... و تخلّى عن ما سواه ... نسي أنه إنسان ... نسي أنّه يعمل ليعيش ... لا يعيش ليعمل ...
زوجته سامية مثال للزوجة الصالحة ... تكفَّلَت بإدارة البيت ... و تربية الأطفال ... و تدريسهم ... و معالجتهم ... و تسليتهم ... و القيام بجميع متطلباتهم ... ليتفرَّغ فلاح لعمله ... و عمله فقط ... و لكنها الآن تَعِبَةٌ ... فهي كذلك ... تريد أن تعيش حياتها ... تريد أن تستمتع بيومٍ لها ... لها وحدها ... تنام ... و تصحو ... و تعتني بنفسها ... تأكل ماتريد ... تجلس لتشاهد فيلمها المفضل ... بدون أن يقاطعها أحد ... تجلس في الشرفة ... تعب من الهواء العليل ... لتغمض عينيها ... و تفكر بما يسعدها هي ... و ليس بما يسعد غيرها ... ألا يحق لها يوم إجازةٍ واحد ... بعد ثلاثون عاماً من الخدمة المتواصلة ...
أطفالهم الثلاثة ... يدرسون معظم أيّام السنة ... و في العطلة الصيفية ... تسجلهم والدتهم في المركز الصيفي ... ليستفيدوا من وقت الإجازة ... ألا يستحقُّون إجازةً أسوة بغيرهم ... هل تمضي أيّام طفولتهم بين الكتب و المدرِّسين ... أليس لهم الحق بأن يعيشوا طفولتهم ... يلعبوا مع أقرانهم ... يزوروا أقربائهم ... يطلقوا ذلك الطفل الحبيس بين ثنايا أضلعهم ... يصرخون ... يضحكون ... يلعبون ... فهم يريدون كذلك أن يعيشوا حياتهم ...
هناك خطأ ... يعلم فلاح و سامية بوجوده ... لكنهم لم يكتشفوا بعد ماهو ... هناك إحساس حزين داخلهم ... بأنهم لم يعيشوا حياتهم كما يجب أن يعيشوها ... فهم لا يعرفون كيف يعيشون ... لا يعرفون كيف يستمتعون ... لا يعرفون كيف يفرِّقون بين الجَد و اللعب ... حياتهم جد في جد ... لا يعرفون كيف يديروها ... لقد تلخبطت لديهم أولويّات العيش ... فالعمل أولوية في حياة فلاح ... و البيت أولوية في حياة سامية ... و الدراسة أولوية في حياة الأطفال ... و هل تسمي هذه حياة؟ ... ماهو الشيء الجميل في هذه الحياة؟ ... أين الإستمتاع بها؟ ... أليسوا هنا في هذه الحياة ليعيشوا؟ ... كيف يعيشوا بهذه الطريقة الروتينية ... الجلفه ... الجادّة ... أين اللهو ... و المرح ... و الضحك من الأعماق؟ ... أين الحب ... و الرومانسية ... و الإيثار؟ ... أين المفاجآت الجميلة؟ ... و المزاح اللطيف؟ ...
قرر فلاح و سامية عمل شيء بخصوص ذلك ... و قرروا الذهاب في إجازة طويلة ... إلى البعيد ... إلى منطقة بعيدة جدّاً ... تختلف اختلافاً كبيراً عن منطقتهم ... و ذلك من أجل كسر و قتل الروتين ... و محاربة الرتابة ... و إطلاق أحاسيس دفينة في داخلهم ... و داخل أبنائهم ... ليعملوا مالم يحلموا به قط ...
في يوم مطير ... دخل فلاح على مديره ... مقدِّماً طلب إجازةٍ طويلة ... شهرين كاملين ... ستون يوماً ... يريد فيها فلاح أن يعود إلى إنسانيته ... ليكون ... أباً ... و زوجاً ... و عشيقاً ... يريد أن يكون قريباً من حبيبته توأم روحه ... و أبنائه فلذات كبده ... يريد أن يلعب معهم ... يقضي معهم وقتاً طويلاً ... خصصه لهم ... هم فقط ... بدون مقاطعة من أحد ... فبعد وقت طويل ... قرر فلاح ... أنه يريد أن يعيد دوره كإنسان ... كأب ... كزوج ... كعشيق ... ببساطه ... لقد قرر فلاح أن يعيش ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق