من أين أنت؟ .. سؤال طالما تم طرحه علينا ونحن في خارج الوطن .. ماهو الوطن .. هل هو البلد الذي وُلدت فيه؟ .. أم البلد الذي ترعرعت فيه؟ .. أم البلد الذي درست فيه؟ .. هل هو جنسيتك؟ .. أم هو جذورك وامتدادك؟ ..
أين هو الوطن لفلسطيني وُلِد في الأردن .. من أبٍ فلسطيني مسلم وأم فرنسية مسيحية .. ترعرع في لبنان .. ودرس في أمريكا .. وعمل في كندا .. وحاز على الجنسية البريطانية؟ .. هل الوطن هو الأرض؟ أم البيت ؟ أم الدين؟ أم العمل؟ أم الزوجة؟ أم الأب؟ أم الأم؟ أم الأصدقاء؟ أم الأجداد؟ أم الأولاد؟ .. هل وطن مانديلا هو جنوب أفريقيا التي عاش فيها أكثر من ثلث سنين عمره خلف القضبان؟ .. ماهي المعادلة الصحيحة هنا؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسي .. لا أعلم لها إجابة .. و لا أعرف كيف أحل تعقيدها .. فهناك أكثر من مائتا مليون شخص على سطح هذه الأرض لايعلمون كيف يردّون على هذا السؤال؟
بالنسبة لي .. الإجابة سهلة جدّاً .. فأنا سعودي .. ولدت و ترعرعت و درست و عملت و تزوجت و أنجبت هنا .. و لايوجد لدي وطناً غير هنا .. و لكن عندما أضع رجلي في مكان أحد المائتا مليون .. الذين لم يطأوا موطن والديهما قط .. و عاشوا متنقلين بين بلدان العالم منذ ولادتهم حتى شيخوختهم .. لايعرفون حتّى النطق بلغة موطن والديهم .. تكون الإجابة من الصعوبة بمكان .. وبدرجة كبيرة من عدم الوضوح .. و صعوبة تقرير الإنتماء .. فهم يحملون وطنهم داخلهم .. و يكيِّفون أنفسهم مع الواقع الذي يعيشونه .. وطنهم دائم التغيُّر .. ديناميكي الحركة .. حربائي الإنتماء .. يكيف نفسه مع بيئته الآنيّه .. وهو يعلم أنّه مغادرها بعد حين .. يعيش دائماً في اضطراب .. وعدم المقدرة على تحديد الهويّة ..
هل سيأتي اليوم الذي لانحتاج فيه إلى طرح هذا السؤال؟ .. هل يتوحد العالم في المستقبل البعيد .. ليكون جميعه وطن؟ هل يأتي اليوم الذي يكون وطن الإنسان هو المكان الذي يجد فيه راحته النفسية؟ .. بدون الحاجة إلى تحديد الإنتماء و الهوية؟ .. عندما يحصل ذلك .. فهناك .. تبدأ الحرِّيَّة الحقَّة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق