صغيرًا كنت، أرى أبي شامخًا وأتمنّى أن أكون مثله. علاقتي به ذات مدٍّ وجَزْرٍ حسب اهتمامه بي. إن أحسست منه اهتمامًا زاد تعلُّقي به، وإن أحسست غير ذلك خَفَّت قوَّة ذلك الرابط بيني وبينه. ومع ذلك لاينقص من حُبِّي له وحاجتي إليه.
في صغَري كان يوليني جُلَّ اهتمامه. كان يرغب في تعليمي الكثير وكنت أحُبُّ ذلك. ولكن هذا الإهتمام أخذ في التناقص منذ ذلك الحين. كل سنة يكون أقَل من التي قبلها، أو يتراءى لي ذلك!! بالطبع كان يحبني كطفل صغير وكلّما كبرت تغيّرت أنا وهو لم يتغيّر، هو ثابت على ماهو عليه. دائمًا مايجد صعوبةً في التعبير عن مشاعره لطفل صغيرٍ مثلي. كنت أنا من أحرك لديه هذه المشاعر، بكلمة، بحركة، أو بقبلة. ومع تدرُّجي في العمر، بدأت أخفي تلك المشاعر لأفقد رابِطًا لطالما كان يعينني على تخطِّي مصاعب الحياة.
للتو أحسست بذلك، بعد أن أصبح لدي من البنات و الأبناء و الأحفاد من يحببني إليه بتقرُّبه منِّي ومن يبعدني عنه بعدم مشاركتي بمشاعره وأحاسيسه. ولكني كأب وكجد، أريدهم جميعًا وأحبُّهم جميعًا. أريدهم أن يعلموا بأنِّى لم أعد بذلك الفتى الشاب إبن الثلاثين. لم أعد ذلك العاشق المتخم بالرومانسيه والعاطفة الأبويَّة الجيّاشة. لم أعد بصاحب ذلك الإحساس المرهف الذي يستطيع القراءة بين السطور. فقد علَّمتني الحياة الكثير، و أفقدني الواقع القدرة على الدبلوماسيّة في كثير من أمور حياتي. بدأ يخبو لدي الحس العاطفي الخيالي ويزيد لدي الحس الواقعي المباشر. صرت أحب الدخول في الموضوع مباشرةً ولاأحب الدوران حوله. أصبحت واقعيًّا أكثر ممّا يجب، متأنٍّ أكثر من المأمول وأرجو ألَّا أكون قد قسوت على أحبَّائي بتلك الواقعيَّة وذلك التأنِّي.
بناتي و أبنائى، حفيداتي وأحفادي، أحبكم جميعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق