الأربعاء، 18 يونيو 2014

يارب

إلهي‭ ... ‬خلقتني‭ ‬بمشيئة‭ ‬منك‭. ‬شئت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فكنت‭. ‬بدأت‭ ‬طفلاً‭  ‬صغيراً‭ ‬لا‭ ‬أفقه‭ ‬شيئاً‭. ‬سخرت‭ ‬لي‭ ‬حنان‭ ‬ورحمة‭ ‬أمي‭ ‬لتقوم‭ ‬برعايتي،‭ ‬تتألم‭ ‬لألمي‭ ‬وتفرح‭ ‬لفرحي،‭ ‬لأكبر‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬وأستوعب‭ ‬ما‭ ‬حولي‭. ‬فهمت‭ ‬بحاجتي‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬ببيئتي،‭ ‬فبدأت‭ ‬أنطق‭ ‬بكلمات‭ ‬أعبر‭ ‬بها‭ ‬عمّا‭ ‬أريد‭. ‬أبكي‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬فهمي‭ ‬وأضحك‭ ‬إذا‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬مبتغاي‭. ‬

لأكبر‭ ‬وأفهم‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتعب‭ ‬قليلاً‭ ‬لأحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أريد‭. ‬وجل‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬هو‭ ‬الحب‭ ‬والعطف‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬كانا‭ ‬والداي‭ ‬يغلفان‭ ‬به‭ ‬حياتي‭. ‬أستمع‭ ‬إليهم‭ ‬وأفعل‭ ‬ما‭ ‬يقولون‭ ‬لأكون‭ ‬عند‭ ‬حسن‭ ‬ظنهم‭ ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬أخسر‭ ‬هذا‭ ‬الرابط‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬أعيش‭. ‬وهل‭ ‬يستطيع‭ ‬إبن‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بلا‭ ‬حب؟‭ ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬بلا‭ ‬انتماء؟‭ ‬وتنقضي‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬سنين‭ ‬ليزداد‭ ‬نضجي‭ ‬وأفهم‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬شخصي‭. ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أحوز‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬تتبلور‭ ‬أفكاري‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬ليبدأ‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬أعارض‭ ‬الجميع‭ ‬ليكون‭ ‬لي‭ ‬كياني‭ ‬وتفكيري‭ ‬المستقل‭. ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬رأي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬في‭ ‬نوع‭ ‬الأكل‭ ‬الذي‭ ‬أرفضه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬لأني‭ ‬ببساطة‭ ‬لاأرغب‭ ‬في‭ ‬تناوله،‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الذي‭ ‬نشاهده‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز،‭ ‬في‭  ‬زيارة‭ ‬الأقارب،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يرغب‭ ‬به‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭. ‬ألقى‭ ‬المعارضة‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬قراراتي،‭ ‬لأتحول‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الوحش‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بالتقليل‭ ‬من‭ ‬رغباته‭ ‬والتي‭ ‬أشعر‭ ‬بأنها‭ ‬الأفضل‭ ‬لي‭ ‬ولمن‭ ‬هم‭ ‬حولي‭. ‬اعتدادي‭ ‬بنفسي‭ ‬وثقتي‭ ‬بصحة‭ ‬قراراتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أوجها‭. ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬ضدي‭ ‬ولا‭ ‬يرغبون‭ ‬بإسعادي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الرغبات‭. ‬لم‭ ‬أفكر‭ ‬قط‭ ‬بأنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بذلك‭ ‬لحمايتي‭. ‬فلم‭ ‬أكن‭ ‬سوى‭ ‬مراهق‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬الجميع‭ ‬يعيشون‭ ‬خارج‭ ‬زمانه‭. ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬مستجدّات‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬هي‭ ‬قرارات‭ ‬يتخذها‭ ‬أبي‭ ‬وأمي‭ ‬ويريدونني‭ ‬أن‭ ‬أخضع‭ ‬لها‭ ‬فقط‭ ‬لمجرد‭ ‬الخضوع‭. ‬فهم‭ ‬السلطة‭ ‬العليا‭ ‬ونحن‭ ‬الأبناء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬شيئاً‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬تزداد‭ ‬سنين‭ ‬عمري‭ ‬لتحيطني‭ ‬بحبك‭ ‬ورحمتك‭  ‬حتى‭ ‬كبرت،‭  ‬منحتني‭ ‬عقلاً‭ ‬مفكراً،‭ ‬يتفكر‭ ‬في‭ ‬عالمه‭ ‬الذي‭ ‬حوله‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬علاقته‭ ‬به‭. ‬فجأة‭ ... ‬وخلال‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية،‭ ‬أستوعب‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬تفكيري‭. ‬يزداد‭ ‬إحساسي‭ ‬وتفكيري‭ ‬شمولًا‭ ‬لتنضوي‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء‭ ‬تحت‭ ‬جناحه‭. ‬أتعمق‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الدين‭ ‬والتاريخ،‭ ‬فهم‭ ‬الحرية‭ ‬والخضوع،‭ ‬فهم‭ ‬السلم‭ ‬والحرب،‭ ‬فهم‭ ‬الحب‭ ‬والكره،‭ ‬فهم‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭. ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬أضع‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬الآخر‭ ‬لأفهم‭ ‬إحساسه‭ ‬وشعوره‭. ‬لأرى‭ ‬كيف‭ ‬يهان‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مشاعره‭ ‬بأبسط‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نعير‭ ‬لها‭ ‬انتباهًا،‭ ‬لأشعر‭ ‬بإحساس‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬طلبنا‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬شيء‭ ‬يحبه،‭ ‬وياله‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬أعطاني‭ ‬الشعور‭ ‬بأننا‭ ‬جميعًا‭ ‬سواسية،‭ ‬لا‭ ‬تفضيل‭ ‬بيننا‭ ‬لعنصرية‭ ‬خلقناها‭ ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬لنحصل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نريد‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬لما‭ ‬يريده‭ ‬الآخرون‭. ‬أتزوج‭ ‬فتدخل‭ ‬في‭ ‬عالمي‭ ‬إنسانة‭ ‬تندمج‭ ‬معي‭ ‬واندمج‭ ‬معها‭ ‬لنكون‭ ‬شخصًا‭ ‬ثالثًا‭ ‬له‭ ‬قلبين‭ ‬يعملان‭ ‬على‭ ‬وتيرة‭ ‬واحدة‭ ‬ويعزفان‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬فريد‭. ‬نعيش‭ ‬حياة‭ ‬العاشقين‭ ‬ونتلمس‭ ‬مسار‭ ‬حياتنا،‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬أخطاؤنا‭ ‬وتأخذنا‭ ‬نجاحاتنا‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬بعيدة‭. ‬يرزقنا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بطفل‭ ‬ولَّد‭ ‬لدينا‭ ‬مشاعر‭ ‬جديدة‭ ‬ليزيد‭ ‬مساحة‭ ‬الحب‭ ‬والفرح‭ ‬والخوف‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭. ‬أفكر‭ ‬جدِّيًّا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬وما‭ ‬أريده‭ ‬لنا‭. ‬أتخرّج‭ ‬وأعمل‭ ‬لأنزع‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬ألفناه‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬علينا،‭ ‬نستقل‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أكون‭ ‬فيه‭ ‬أنا‭ ‬العائل‭ ‬الوحيد‭ ‬والمسئول‭ ‬عن‭ ‬طلبات‭ ‬ورغبات‭ ‬الجميع‭. ‬تزيد‭ ‬الأسرة‭ ‬لتكبر‭ ‬وتكبر،‭ ‬لتزيد‭ ‬المسئولية‭ ‬علينا‭ ‬لأعود‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أوازي‭ ‬بين‭ ‬الرغبات‭ ‬والطلبات،‭ ‬لأني‭ ‬أفهم‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬تعني‭ ‬رغبة‭ ‬طفل‭ ‬وإحساس‭ ‬طفلة‭. ‬بعد‭ ‬عدّة‭ ‬تنقلات‭ ‬بين‭ ‬منازل‭ ‬وأعمال‭ ‬كثيرة‭ ‬يستقر‭ ‬بي‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسي‭ ‬لأعمل‭ ‬في‭ ‬الظهران‭ ‬واقطن‭ ‬في‭ ‬الخبر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقلصت‭ ‬العائلة‭ ‬بزواج‭ ‬ثلاث‭ ‬من‭ ‬بناتنا‭ ‬ليعودوا‭ ‬ألينا‭ ‬كل‭ ‬نهاية‭ ‬أسبوع‭ ‬ليملأ‭ ‬الأحفاد‭ ‬فراغات‭ ‬البيت‭ ‬صراخًا‭ ‬وضحكَا‭. ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬زادت‭ ‬عائلتنا‭ ‬بوجود‭ ‬ابني‭ ‬وعائلته‭ ‬معنا‭ ‬حيث‭ ‬بكر‭ ‬وليان‭ ‬وابنتي‭ ‬سارة‭ ‬يملؤون‭ ‬مساحات‭ ‬البيت‭ ‬فرحًا‭ ‬وسعادةً‭. ‬شكرًا‭ ‬إلهي‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬التدبير،‭ ‬أسألك‭ ‬ربي‭ ‬التوفيق‭ ‬لأبنائي‭ ‬وبناتي‭ ‬وأحفادي‭ ‬وحفيداتي‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬خيرهم‭ ‬ورضاك‭ ‬وأسألك‭ ‬أن‭ ‬تغفر‭ ‬لنا‭ ‬وتحسن‭ ‬خاتمتنا‭.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...