للإنسان روحًا وثّابة، دائمًا ماتطمح للعُلا وترغب في العمل خارج حافة قدراته. تحدها البيئة التي هي قابعة بين جنباتها. فكثيرًا ماترى أيها الإنسان بسهولة القيام بعملٍ ما ، حتى إذا ماشرعت بالقيام به، وجدت أن قدراتك محدودة بقدرات هذا الجسد الذي يكتنف هذه الروح وتلك الأفكار. لتقف على حافة جسدك ترقب طموحًا لم تطله وهدفًا لم تصل إليه.
استيقظت صباح هذا اليوم، لأبدأ يومي كعادتي وأركن إلى مخدعي، أرتب أفكاري وأجتر أحداث أمسي لحين داعي الفجر. أكتب مايجول بخاطري وأقرأ ما يعِنُّ على بالي.
أعود لأقرأ صفحة وجهي في مرآتي الصغيرة، لأرى رجلًا قيّد روحي منذ عقود. أرى غريبًا تملّك تفكيري وقيّد حركتي منذ انفصلت عن جسد أمي. من هذا الشخص القابع خلف هذه المرآة. أهذا أنا؟ أتمعن في تفاصيل وجهي لأتتبع آثار الزمن وهو يمشي بتؤدة على صفحة جبيني وقد أرخى سدوله تحت عيني تاركًا أثر جلوسه الطويل قبل أن يعاود مسيره إلى صفحة خدي لتبدأ ريشته البيضاء برسم لوحتها الأبديّة على معظم شعيرات وجهي تاركة بعضًا منها لتزداد غربةً. يمشي غير آبه بمن أكون ومن كنت. أراه وقد بدأ يغير ترتيب صفحة وجهي حتى بدت لي مختلفة عمّا تخزّن في ذاكرتي لأبدو غريبًا عني.
هانحن نصارع أمواج نهر الزمن محاولين عبوره إلى الضفة الأخرى التي فيها هلاكنا حتى إذا ماوصلنا إلى منتصف المسافة، وقفنا لنرمق الضفتين عن بعد. سبحان الله، هذا هو قدرنا، نصارع أمواج الزمن العاتية طوال حياتنا لنبلغ ضفة النهاية!
أذكر عندما كان هذا الجسد صغيرًا، وأنا أمضي الساعات الطوال واقفًا عند حافته لتدريبه على عمل أرغب في أداءه وهو واجمٌ يتلذذ بالفشل حتى أستطعت تطويعه وترويضه لأداء المزيد. فرحت لتحسين أدائي في اللعب حتى تغلبت على أقراني. أستطعت أن أطوعه للقيام بتلك الحركات الجنمبازية التي طالما حلمت بأداءها. علمته أن ينسق بين أطرافه لأعبر حوض السباحة الكبير وأصل سالمًا إلى الضفة الأخرى. كان يتعاون معي ويتعلم مني الكثير حتّى إذا ماوصلت إلى منتصف المسافة، يأبى أن يزداد علمًا. يأبى أن يتذكر ماكان يستطيع القيام به، لأقف عند حافته متعجبًا من خيانته لي! أحاول من جديد أن أقود دراجة فلا أستطيع الإتزان كما كنت! أحاول أن أنزل درجات قليلة طالما صعدت أضعافًها لتذلني تلك الدرجات وتخنقني زواياها!
عبرت أمواجًا كثيرة أعيش عبر تيّارها، موجة تهوي بي إلى القاع وأخرى ترفعني إلى السماء وأنا مواصلًا سباحتي في نهر الزمن، لايثنيني غضبه ولايعجبني هدوؤه. أحمل في داخلي ذلك الوحش الصغير الذي لايرتاح ولايقبل السكون. هو في حركة دائمة وطموح لانهائي. الآن وفي هذه الآونة، نقلت وحشي ليعيش في رأسي الذي لايطاله سجن ولاتحده قيود. لأترك له العنان ليطوع ملكاتي ويزيد قدراتي ويعيش معي ماحييت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق