الخميس، 31 أغسطس 2017

زبدة الإسلام

قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ أي هو الله الذي تتحدثون عنه وتسألون عنه متوحد بجلاله وعظمته، ليس له مثيل، وليس له شريك. اللَّـهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ أي هو الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل. وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وهذا يعني أن جميع المخلوقات مفتقرة إليه، وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ أي هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف يكون مولوداً؟ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، وقالوا: إن الملائكة بنات الله. واليهود قالوا: عزير ابن الله. والنصارى قالوا: المسيح ابن الله. فكذبهم الله. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾ أي لم يكن له أحد مساويًا في جميع صفاته فلا يوجد له سبحانه مثيل.

سورة الإخلاص تعطيك زبدة الإسلام والفرق بينه وبين سائر الأديان والمعتقدات الأخرى وهذه السورة لها فضل عظيم. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنها تعدل ثلث القرآن». وهذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف، وكذلك يقرأ بها في الوتر، لأنها مبنية على الإخلاص التام لله، ولهذا تسمى سورة الإخلاص. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك: من أنه كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به افتتح بـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حتى يفرغ منها، ثم سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعةٍ فكلَّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئك حتى تقرأ بأُخرى، فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأُخرى، فقال: ما أنا بتاركها! إن أحببتُم أن أؤمَّكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتُكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمَّهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأُمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعةٍ؟ فقال: إني أُحبها، فقال: حُبُّك إيَّاها أدخلك الجنة.
فإذا كانت هذه صفات الله عز وجل واحد أحد لم يلد ولم يولد وليس له مثيل أبدًا ونفى سبحانه وتعالى أن تكون الأنبياء والملائكة أبناءً أوبناتًا له فكيف نشرك معه من هو أدنى فندعو مخلوقًا غيره ونقسم على غيره من المخلوقات؟ فلنخلص العبادة له وحده ولندعوه مباشرة فليس بيننا وبينه حجاب.
ولو تمعّنا في كلمات هذه السورة المباركة: أحد، الصمد،  لم يلد، لم يولد، لم يكن له كفوٍا أحد، لأتضح لنا أنه سبحانه وتعالى هو الواحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل منذ البداية والذي خلق جميع ماهو سواه من كون فسيح ومخلوقات تعيش فيه. وهذه المخلوقات تفتقر إليه في وجودها وفي قضاء حوائجها لأنه سبحانه هو  الكامل في صفاته، الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته. ولذا يجب عليها اللجوء إليه دائمًا في جميع شؤونها عن طريق تحقيق أركان الإسلام الخمس من شهادة الوحدانية له وشهادة الرسالة لرسوله صلى الله عليه وسلَّم، وإقامةِ الصلاة، وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت عند الإستطاعة. 
فشهادة أنه لإله إلّا الله توجب علينا الأخذ بكتابه الذي حفظه سبحانه وتعالى منذ نزوله وحتى يومنا هذا والتمعن بما فيه من أوامر و نواهٍ ومايحتويه من مبادئ ومايوضّح من أحكام ومايسرد من قصص ومايورد من غيبيات لم نكن لنعلمها لولاه سبحانه وتعالى. وليكن هذا القرآن دستور حياة لنا نرجع إليه في جُلّ أمورنا لإزالة مايعترض بيننا كمخلوقات من سوء فهم وليحل الطمأنينة في نفوسنا متى مااعترضها عارض. 
وشهادة الرسالة لرسوله توجب علينا إطاعة هذا الرسول في جميع أمور حياتنا بما تواتر إلينا من أوامر ونواهٍ وأحكام وقصص واسلوب حياة. ويجب علينا توخى الحذر بالركون إلى ماحسن من الأحاديث المتواترة وترك ضعيفها. والحمد لله أن سخّر رجالًا عمدوا إلى تجميع وفحص وتنقيح وتحقيق جميع الأحاديث الموجودة وقيّموها  من عدّة وجوه وصنّفوها حتى بتنا نعرف صحيحها من ضعيفها.
وإقامة الصلاة في أوقاتها وصفاتها التي تواترت إلينا من فعله صلّى الله عليه وسلّم لنقرأ فيها القرآن ونعظم فيها الإله وتكون لنا نقطة اتصال عميق مباشر مع خالقنا نسأله ماشئنا ونطلب منه ماأردنا ونحن واثقين من استجابته لنا لتطهرنا من ذنوبنا وتغسل مافي أنفسنا من ضيق وألم سببه لنا عيشنا في هذا الدنيا الزائلة.
وصيام رمضان لنذكر الله فيه كثيرًا ونروِّض أنفسنا بالتحكم في شهواتنا والتقيد بحسن الخلق الذي نفتقد بعضه في سائر الشهور الُأخَر ونصارع طبيعتنا لنغير ماانحرف من مبادئنا ارتقاءً بأنفسنا لكمالٍ منشود وذلك تحقيقًا لأوامر الله عزَّ وجل وتأسِّيًا بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الشهر تصفد الشياطين مساعدة من الله عز وجل لتقل المؤثرات الخارجية علينا رغبة منه سبحانه وتعالى في أن نعود إلى جادة الصراط المستقيم والإيمان الحق.
وأيتاء الزكاة كلّما دار الحول على أموالنا لنتعود على المشاركة بما رزقنا الله سبحانه وتعالى من الرزق الحلال وتشجيعنا على العطاء وتذوق حلاوة البذل. ولتذكيرنا بالتأكد من موثوقية مصادر رزقنا وعدم بذل أنفسنا في أعمال تخالف أوامره عز وجل. فالزكاة تزيد الرزق الحلال طهارةً وتطهر أي شوائب قد تكون اعترضته بغير علم منّا. 
والآن وبعدما تشاركنا مع الغير في رزقنا بببذل الزكاة المطلوبة أتى الوقت لنتشارك مع باقي المسلمين في عمل جبّار عظيم عند بيته المقدس بالقيام بفريضة الحج مرة واحدة في حياتنا. ننضم لهذا الجمع الغفير من المسلمين وقد اتحدنا بالشكل والعمل. نطوف على الكعبة  ونسعى بين الصفا والمروة حفاة نستر عورتنا بقماش أبيض بسيط زهيد الثمن متذللين لله سبحانه وتعالى ندعوه ونرجوه بقبولنا من الصالحين راغبين جنته ومتعوذين به من ناره. غايتنا واحدة .. الجنة ثم الجنة ثم الجنة.
هذه زبدة الإسلام فمن قام بذلك وحقق سورة الإخلاص في حياته نال رحمته سبحانه وتعالى ودخل جنةً عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. اللهم إني أسألك أن نكون من أهلها ياأرحم الراحمين.. آمين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...