الثلاثاء، 18 يونيو 2013

خَلَلْ

يقوم من نومه تعبان .. متكسر الأوصال .. بالكاد نام أربع ساعات .. لم تكن كافية ليريح جسده وفكره .. يجلس مُغمِضٌ العينين .. لا يستطيع فتحهما من شدّة التعب والإرهاق .. يمكث على هذه الحال أكثر من خمس دقائق .. لم تزده إلاّ تعباً وكسلاً .. 

يتمطى .. يغتسل .. يلبس .. يصلي .. يخرج .. و هو لايزال من النائمين .. يقود سيارته الصغيرة إلى عمله .. يركنها في موقف بعيد .. يغلق بابها .. يجر نفسه جراً إلى طاولةٍ مليئةٍ بمعاملاتٍ طال مكوثها .. يجلس و يغمض عينيه ..

هناك .. خلف الباب الزجاجي .. شيخٌ قد غلبه الزمن .. و حمّله فوق سنين عمره .. ملأ وجهه تجاعيد لاتجدها في أقرانه .. بين ثناياها شعيرات قد تغير لونها .. كل شعرة منها لها حكاية .. جسمٌ ضئيل .. عيونٌ غائرة .. يدان ترتجفان .. يلبس ماكان أبيضاً .. ثوبٌ  قديمٌ مفتوح الصدر .. ينقصه زرّاً لم يجد من يُعيده .. غترةً مكرمشة .. قد أعاد طرفيها إلى الخلف .. و داخل هذه الملابس .. يوجد بقايا إنسان ..

يُطِلُّ برأسه من فتحة الباب المُواربه .. و كأنّه يحدِّثُ نفسه بالدخول من عدمه .. متردّد .. يريد الدخول و يخشى المواجهه .. فقد واجه في حياته الكثير .. واختبر إحباطات تلو الأخرى .. ملئت عليه حياته .. حتّى صار متردِّداً في أضعف أموره .. لامعين و لاولد .. لاصديق ولاسند .. مكسور الجناح .. يدخل بتردّد .. يقف أمام حمد .. الذي لايزال مغمض العينين .. و بينهما ماتكدّس من ملفّات .. تكاد تحول بينهما .. يقف بعينين رطبتين .. دائمتي النظر إلى الأسفل .. لايكاد يرفعهما ليرى أمامه .. حتى تعودان إلى موقعهما المعتاد .. يتكلّم وكأنّه يخاطب الأرضيّة .. بصوت ضعيف .. متقطِّع .. دائماً مايعيد آخر جملة نطق بها .. ليربط خيوط حديثه .. 

يرفع حمد عينيه .. ”خير“ .. يُصغي للشيخ .. الذي بدأ يقص عليه مشكلته من أولها إلى آخرها .. ”روح للمدير“ .. يعيد حمد إغماض عينيه .. غير مكترث بمن هو أمامه .. لم يلمح دمعةً وجدت طريقها من عين الشيخ .. وقد توقفت .. واستقرت بين تجاعيد وجهه .. كأنها تأبى النزول .. ليمضي الشيخ بآلامه .. إلى غرفة المدير .. لتزيد إحباطاته .. 

يعود الشيخ إلى غرفته القديمة .. و قد امتلئت تجاعيد وجهه بدموع .. أبى المجتمع أن يسمح لها بالسقوط ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...