الأحد، 23 يونيو 2013

إنتظار

أناند … أب و زوج و إبن … سيرلانكي الجنسية … بار بوالديه … في كوخه الخشبي الصغير … هناك غرفةً لهما … يعتني بوالده الأعمى و أمّه الخرفه … لديه زوجة محبّه … إبنتين جميلتين في الرابعة و السابعة … و ولد صغير لم يتم عامه الثاني …

يعمل حارس أمن في شركة في العاصمة كولومبو … راتبه الشهري لا يكاد يسد رمقه و رمق عائلته … يعمل إثنا عشرة ساعة يومياً … يتغير دوامه كل ثلاثة أسابيع … ما بين الليل و النهار … لا يلقى أي تقدير من مدرائه في العمل … العمل مرهق … و الراتب قليل … و الرازق هو الله … 

وجد فرصة للقدوم إلى السعودية … أرض الخير و الفرص و تحقيق الأحلام … اتفق مع السمسار أن يدفع له أول ستة رواتب من عمله القادم … شرط أن يساعده على الحصول عليه … و يرهن كوخه الصغير … لحين الوفاء بالتزامه … يحصل على التأشيرة … ليبني أحلاماً عظيمة … و يسعى إلى تحقيقها …

يغادر أناند كوخه الصغير … مودِّعاً عائلته التي لن يراها قبل مرور عامين كاملين … و يغادر أرض الوطن وفي قلبه حسرة و خوف و أمل … تطأ قدميه أرض الأحلام … يبحث حواليه عله يرى أحداً يبحث عنه … هناك الكثير من المنتظرين … و الكثير من الواصلين … ينتظر واقفاً … يبدأ الزحام في الإنفكاك … و التناقص … حتى بقي وحيداً … لا يعلم كيف يصل إلى صاحب العمل الجديد …

يقترب منه أحد عمال المطار .. من نفس الجنسية .. يأخذ منه عنوان الكفيل الجديد .. ويطلب من أحد أصحاب سيارات الأجرة البنقلاديشيين .. أن يقله إلى بيت كفيله .. يوصله عند الباب و يغادر بدون أن يطلب منه قيمة التوصيل .. فهو يعلم أنه لايملك شيئاً ..

بخوف .. يضغط أناند على زر الجرس .. ينتظر .. و ينتظر .. لاأحد يرد عليه .. يضم حقيبته الصغيرة .. ويجلس على درجات عتبة الباب الرئيس .. و ينتظر .. أطفال الشارع يمرون عليه .. يتضاحكون .. و هو يرمقهم محاولاً الإبتسام .. و لكنه مرهق .. يشعر بحرٍّ شديد .. ألم في رأسه .. و شعورٌ بعدم الأمان .. لايعلم ما يخبأ له القدر .. أفكار كثيرة تنقض عليه .. يتخيل زوجه التي تركها بعيداً في بلاده .. إبنتاه الجميلتين و إبنه الصغير .. والده الأعمى و أمه الخرفه .. ماهي حالهم الآن؟ .. يذكر ساعة رحيله .. يوم كئيب .. عاصف .. ممطر .. وكأن السماء بكت معبّرة عن ما يجوب في داخل نفسه .. يتوسد حقيبته و ينام .. و يدخل في عالم الأحلام ..

يفتح عينيه .. ظلام دامس .. يرى نفسه لايزال على الدرج الرخامي .. في انتظار .. يقوم مفزوعاً .. لايعلم مالعمل .. هل ينتظر .. أم يغادر .. إلى أين يذهب .. وقد طواه الجوع و الظمأ .. يرى سيارةً شرطةٍ قادمةً من بعيد .. وقد أضائت أنوارها الحمراء في أعلاها .. يركض و يختبئ خلف برادة ماءٍ قديمة .. حتّى غادرت .. و قلبه يخفق بشدّة .. ليطلق العنان لدموعٍ حبيسة .. و ينفِّس عن الضغط الرهيب الساكن في أعلى حنجرته .. 

الله أكبر الله أكبر .. يبحث عن مصدر هذا الصوت .. يرى مسجداً بعيداً .. يحمل حقيبته .. ينطلق إليه .. يدخل الحمام .. يغتسل .. يتوضاء .. يدخل من باب المسجد .. يضع حقيبته أمامه .. يكبر ويصلي ماشاء الله له من صلاة .. تستقر أنفاسه .. يحس براحة عميقة .. و بإيمان استوطن جميع ذرّات جسمه .. بعد الصلاة .. يجلس بجانب المؤذن .. و يخبره بحالته .. يأخذة مقصود معه إلى غرفته القريبة .. يشاركه عشائه .. و يتركه ينام عنده حتى الصباح ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...