الخميس، 27 يوليو 2017

وفجأة نشيخ

سبحان الله والحمد لله ولاحول ولاقوة إلّا بالله.  أطفالًا نحن في وجودهم وسنظل أطفالًا ونحن نلاعب أحفادنا بحضرتهم. نمر بعِدَّة مراحل طفولية منذ ولادتنا وحتى خلو المنزل من رائحتهم. مرحلة الطفولة الحقة هي بداية تعرفنا على مداخل هذه الحياة عن طريقهم وهي أسعد مراحل حياتنا لأننا نجد فيهم الملاذ والجدار الحصين من تقلبات الدنيا ومرارة الحياة. لننتقل إلى مرحلة الطفولة المضطربة عند فقدنا لأحدهم. فبعدما كنا نجدهما عن يميننا وعن شماءلنا يقدمان الدعم والسند لنا من كل جانب، إذا بنا نتكأ على جانب يتيم قد هدَّه الزمن وعصفت به السنون وهو يبذل جُلَّ طاقته لانتشالنا مما نمر به من صعوبات ومعظم قواه لإعادة توازن أنفسنا مما يعتريها من منغِّصات.

حلم طويلٌ أعيشه لم أخترقه قبل يوم أمس. فبرغم مرض والدي الغالي، لايزال في آخر النفق نورًا يبشرني بزوال الغُمَّة واختفاء هذا المرض وكأنه لم يكن. لم أفكر يومًا بأن مرضًا وضيعًا سوف يحرمني مما بقي لي من سند حتى أثبت لي الزمن خلاف ذلك. فبالرغم من إعلان الوفاة وتسليمها لمركز إكرام الموتى لإكمال اللازم، لا أزال غير مستوعب لما كان وما سيكون. حتى خرجنا من تلك الغرفة الكئيبة لأصطدم بوجود جميع أفراد العائلة، كبيرها وصغيرها، أتوا لإلقاء النظرة الأخيرة على عمود العائلة وذروة سنامها. الجميع يتسابق لتقبيل رأسه الطاهر، أختبأ خلف الستارة المعلقة في منتصف الغرفة وأنا مذهول. تفكيري غير واضح، هناك وشيش مزعج بين أذُنَي. أحرك الستارة قليلًا وأنتظر دوري في تقبيل رأسٍ عزيزٍ عَلَي. حتى إذا ماصرت إليه، أضع شفتي على جبينه البارد وأقبله لأستوعب الحدث بعد القبلة الثالثة لتسري قشعريرة في بدني أخرجت ماكان عالقًا في نفسي منذ زمن. أبكي بكاءًا مُرًّا يغسل لواعج نفسي ويُخرج ماتخزّن فيها من ألم. للتو أحسست بفقدان السند اليتيم الذي يداوي جروحي بكلمة ويزيل آلامي ببسمة. للتو أحسست بعظم المسئولية الملقاة على كاهلي. للتو أحسست بحجر ضخم صار فجأة فوق رأسي ..  نعم، للتو أحسست بأنني شخت فجأة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...