الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

الشِّدِيد

صغيراً كنت ... و لازلت ... انتهى والدي من ترميم مسكننا الجديد ... الجميع يستعد للإنتقال ... و أنا لاأزال حزيناً من جرّاء هذا التغيير ... صناديق كثيره ... في انتظار من يحملها ... إلى هناك ...

بعد العصر بقليل ... منظر الصناديق المرصوصه ... بجانب الباب ... منظرٌ كئيب ... و كأنها ترغب في الرجوع إلى حيث كانت ... و أنا مطئطاً رأسي ... أدور عليها ... و أصارع نفسي بتركها حيث هي ... أتخيلها تناديني ... تستغيث بي ... تستنجد بأن تستكين في مسكنها .. الذي أمضت فيها سنوات من عمرها ... أتركها ... أنتقل إلى الفناء الخلفي ... و يمر في ذاكرتي ... شريط أيامنا الماضيه ... هنا كنت ألعب بحيواناتي البلاستيكيه ... هنا كنا نجلس وقت العصر ... في ظلال جدار الغرفة الصغيره ... نحتسي الشاي ... و نتجاذب أطراف الحديث ... هناك ... أسفل الجدار الشرقي ... كنت أجلس ... و أبحر مع قصص سوبرمان و مجلات العربي ... هذا جحر أرانبي ... التي تخرج منه لتأكل البرسيم من يدي ... هذا شبك الدجاج ... الذي يسرح و يمرح في هذا الفناء طيلة اليوم ... هناك البركة الخرسانيه ... التي لم أسبح فيها قَط ... حيث وقعت على ظهري ... و كادت تتسبب لي في إعاقة دائمه ... هنا كنت أفترش أنا و خالي محمد الأرض ... حيث يأخذني معه في قصصه العجيبه ... أجول في غرف البيت ... غرفةً غرفة ... هنا غرفة جدتي ... حيث شُجَّ رأسي ... و أنا أقلد أبطال السيرك ... على هذه الأرضيه كنت أنبطح على بطني و أنا أحل واجباتي المدرسيه ... قبل أن أتناول غدائي ... هناك تقبع طاولة والدي ... حيث يرسم و يبدع و أنا أراقبه عن كثب ... هنا ... و خلف هذا الباب ... كانت حبيبتي تقف ... لتتبابعني بنظراتها ... و أنا في طريقي إلى المدرسة ... و هنا تستقبلني كل يوم ... لأجد عندها الأمن و الأمان ... بعد يومي المرعب ... هنا ... و هنا ... و هناك ... شريط أعوامٍ مضت تمر أحداثه في مخيلتي ... مستحضراً تفاصيلها و أحاسيسها ...

الجميع كان حزيناً ... و في حلقه غُصَّة ... فإن ترك المكان الذي اعتدت عليه ... و تفريغه من كل مافيه ... قتلٌ لأحداث كثيرة ... لا زالت تسكن كيانك ... و لازلت تعيشها ... أختي الصغرى ... كانت حزينة جدّاً ... و قد كتبت قصيدة قديمة عنوانها ”البيت“ ... على الباب المؤدي للمجلس ... حيث تجسد حالتنا النفسيّه آن ذاك ... تقول القصيده :

بيتي
طاب بيتي ... ليس في الدنيا ... جميل مثل بيتي
عز بيتي ... ليس في الدنيا ... عزيز مثل بيتي
إن يكن كوخا صغيرا ... فهو في عيني عظيم
أو أعش فيه فقيرا ... فهو ينبوع النعيم
لست أرضى عنه قصرا ... شامخا فيه أقيم
لست أرضى غير بيتي ... فهو لي أوفى حميم

فجأه ... إذا بوالدي يدعوني لأساعده في تحميل الصناديق إلى الشاحنه ... آخذ صناديقي التي تحتوي على ملابسي القليله ... كتبي ... مجلاتي ... ألعابي ... أسحبها واحداً واحداً ... إلى الشاحنه ... ننتهي من تحميل كل محتويات البيت ... في شحنةٍ واحده ... تركب أمي و أخي غازي ... في المقدِّمه ... و أنا و أخواتي ... في صندوق الشاحنه ... جالساً فوق الصناديق ... أحرك رِجْلَي ... وو جهي مقابلاً مؤخرة الشاحنه ... و هي تتحرك في طريقها إلى مسكننا الجديد ... أرى بيتنا القديم و نحن نبتعد عنه ببطئ ... يصغر باب البيت كلما ابتعدما عنه ... فيخيم على حزنٌ أكاد أشعر به و أنا أكتب هذه الكلمات ... تحرقني عيناي ... أحس بضغط كبير في بلعومي ... و برودةٌ في أطرافي ... فأبدأ بالبكاء عله يريحني من هذا الضغط الكبير ... تقترب مني صغرى أخواتي ... تضمني ... لتخفف عني ... تقول كلاماً لم أسمعه ... أرتاح قليلاً ... و نبدأ في نقل الصناديق إلى غرفنا الجديده ...

هناك 3 تعليقات:



  1. مشكور علي مجهودك القيم
    http://www.alsadiqa.com




    http://www.assayyarat.com/
    thank you



    جزاك الله خير
    http://www.mawahib.net

    ردحذف
  2. اخوي بكر أنا هياوالله لاأنسى ذلك اليوم كنت أشدحزنامنك فلقدكنت أحب. هذاالبيت حبا شديداوكنت أحب أنشودة بيت. وكأنها تحكي عن شعوري وارتباطي به وقبل أن نذهب كتبت على الباب الذي يؤدي إلى المجلس من الداخل الأنشودة كاملة وأنا أبكي حرقة على فراقه
    بيتي
    طاب بيتي ليس في الدنياجميل مثل بيتي
    عزبيتي ليس في الدنياعزيزمثل بيتي
    إن يكن كوخا صغيرا فهو في عيني عظيم
    أوأعش فيه فقيرافهوينبوع النعيم
    لست أرضى عنه قصراشامخافيه أقيم
    لست أرضى غيربيتي فهولي أوفى حميم

    ردحذف
  3. جزاك الله خيراً على تذكيري بذاك ... سوف أضيف ما ذكرتيه في الموضوع ... أرجو من الجميع تذكيري ببعض الأحداث المتعلِّقه بالموضوع ... و التى أبعدتها السنين عن ذاكرتي ...

    ردحذف

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...