الخميس، 6 سبتمبر 2012

مدرستي القديمه

صغيراً كنت ... و لازلت ... تراكمت الديون على أبي الحبيب ... من جرّاء خسارة شركة المقاولات ... حتى صار العيش مستحيلاً ... فكل يوم ... يتواجد خارج البيت ... من يطلب والدي ... لدرجة أننا لم نعد نرتاح ... في بيتنا ... حتى قرر والدي ... أن يبيع البيت الذي يؤوينا ... من أجل التخلص من عبأ الدين الثقيل ...

مع قرار أبي في بيع البيت ... بدأنا نبحث عن بيت نستأجره ... يكون قريباً من جيراننا ... فقد قضينا ... أجمل أيامنا ... و نحن بينهم ... و يصعب علينا فراقهم بهذه الطريقة المفاجأه ... و لقد وقع الإختيار على أكبر بيت في الحاره ... قريب جدّاً من بيتنا القديم ... بيت له عامين كاملين و هو خالي الوفاض ... لايوجد من يرغب في السكن فيه ... سمح لنا صاحبه ... في السكن فيه ... شريطة أن نقوم بإصلاحه ... و تجديده ... 

هذا القرار كان صدمة لي ... فمن يرغب في أن يسكن في مدرسته القديمه ... يا الله ... كم أكره تلك اللحظات ... و ذلك القرار الظالم ... و لكن هذا هو الموجود ... فالحصول على بيت للإيجار ... في "الصبيخه" ... و في تلك الأيام ... صعب جدّاً ... و صاحبه لم يطلب مالاً ... فقط طلب منا تجديده ... و السكن فيه ... و المحافظة عليه ... صفقة ممتازه ... تلبي جميع المتطلبات و الرغبات ... ما عدا رغبة طفل صغير ... قضى عامين كاملين يدرس فيها ... له فيها من الذكريات الكثير ...

أعاد هذا القرار ... إلى ذاكرتي ... رعب اليوم الأول ... رعب المدير المخيف ... رعب "الجحيشه" ... رعب الأستاذ فائق ... و الكثير ... الكثير ... من الذكريات المؤلمه ... و التي قد تخلصت منها ... منذ أمد طويل ... و هاهي تعود إلي ... من جديد ... هل ستكون غرفتي هي صفي الأول ... عندما تلقى صديقي خالد ... ضرباً مبرحاً من الأستاذ فائق ... لأن الصغير نسى أن يُحضِر قلمه ... أم تكون هي مكتب المدير ... الذي تتحدث عصاه ... قبل أن يفتح شفتيه ... و كأنني أعيش تلك اللحظات ... مرّات و مرّات ...

فذهبت إلى أمي الحبيبه ... و أنا أبكي ... طالباً منها ... أن نبقى في بيتنا هذا ... و لاننتقل للسكن في مدرستي القديمه ... أبكي بحرقة و رعب ... و أسرد لها جميع الأحداث المؤلمه التي مررت بها ... و تخزنت في عقلي الباطن ... لتنفجر جميعها ... مرّةً واحده ...  في دقائق معدوده ... يجتمع جميع هذا الخوف ... و الرعب ... لأعيد تجربته من جديد ... تضمني إليها ... و أنا أنشج من فرط البكاء ... عله يشفع لي عندها ... فتقنع والدي بأن يغير رأيه ... تقبل رأسي ... و تطمأنني ... بأن المبنى لم يعد تلك المدرسة المرعبه ... و أنني سوف أشارك والدي ... في تجديده ... و طلاءه ... فأظل متمسِّكاً بها حتى أنام ... 

رحمك الله رحمةً واسعةً ياأمي الحبيبه ... كم أشتاق إليك ... و إلى حضنك المليء حناناً ... الذي له تأثير السحر علي ... فيحوِّل حزني فرحاً ... و خوفي أمناً ... و غضبي سلاماً ... لقد فقدت بموتك مفتاح بابٍ من أبواب الجنه ... لطالما كان مفتوحاً ... يدعوني إليه ... ولقد أغلق هذا الباب ... و لم يعد المفتاح موجوداً ... اللهم ارحمها رحمةً واسعةً ... و اجمعنا بها في جنتك ... اللهم آمين ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...