صغيراً كنت ... و لازلت ... أحب الرياضة ... و خاصةً الرياضات الفردية ... التي يبرز فيها الإنسان قدرته على أداء حركات قد تصعب على البعض ... أحب مشاهدة أبطال الجمباز و هم يؤدون تمارينهم على شاشة التلفاز ...
كل عام دراسي ... تشترك بعض مدارس المنطقة ... بعمل مهرجان سنوي ... يتوجون به نهاية العام الدراسي ... قرر مدير مدرستنا أن نكون أحد المدارس المشاركة في مهرجان هذا العام ... و طلب من مدرس الرياضة ... أن يبدأ في التفكير في العرض الذي من الممكن تقديمه ...
إختار مدرس الرياضه عدداً من الطلاب لتمثيل المدرسة في هذا المهرجان ... و كنت من ضمن الطلاب الذين وقع عليهم الإختيار ... كنت فرحاً بهذه الفرصة ... التي عززت من ثقتي بنفسي و بقدراتي ... حيث يراني آخرون مؤهّلاً لتمثيل مدرستي ... في هذا المهرجان الكبير ... و الذي سوف يحضره مسؤولون كبار ... و الأهم سوف يحضره أبي ...
ننصرف من المدرسة في نهاية الدوام المدرسي ... و أنا سعيد بأن لدي خبراً سوف يُفرِح أمي و أبي ... أخرج مسرعاً من المدرسة ... و رأسي مليء بأحلامٍ كثيرة عن ماسوف أقوم به ... عن وجودي في ساحة المهرجان ممثلاً لمدرستي ... عن قيامي بالحركات الرياضية أمام والدي و أمام الجميع ... أفكِّر إن كان بِإمكان والدتي حضور هذا المهرجان ... لترى صغيرها و هو يقوم بحركاته البهلوانيه أمام الجميع ... أحلاماً كثيرة راودت مخيلتي ... تعزِّز ثقتي بنفسي و تخطط لما سوف أقوم به ... ألمح باب منزلنا الحديدي ... فأترك عالم الأحلام و أعود إلى واقعي ...
أمي الحبيبة كعادتها واقفةً لدى الباب في انتظاري ... ابتسامتها الصغيرة تملأ مُحَيّاها ... ابتسامةً غامضة كابتسامة الموناليزا ... كعادتها عندما تبتسم ... يوحي لك وجهها بسعادتها و بدون تكلف أو مبالغة ... فقط شفتيها في وضع يكشف عن سعادةٍ كبيرة ... أرتمي في أحضانها ... و أوشوش لها بسرعة بما حدث ... تطلب مني أن أتمالك زمام نفسي ... أغتسل و أبدل ملابسي ... ثم أجلس معها و أخبرها على مهل ماحدث و ما سوف يحدث في مدرستي ...
أجلس معها و أحكي لها بهدوء بأنه تم اختياري ضمن مجموعة من الطلاب ... سوف تقوم بتمثيل المدرسة في المهرجان السنوي القادم ... أبدت فرحتها لذلك ... و بدأت تدعو الله بأدعية كثيرة ... كنت في أمس الحاجة إليها ... و مع ذلك أبدت بعضاً من المخاوف ... و حذرتني من القيام بحركات قد تؤذيني ... أو تؤذي الآخرين ... وعدتها بذلك ... و سألتها عن موعد قدوم والدي ... فإني في شوق لإخباره بذلك ...
في الأسبوع التالي ... بدأنا التدريبات على أداء الحركات الرياضية الجماعية ... و أصبحنا نقوم بالتدريبات بصفة يومية ... و كان يُسمح لنا بالغياب عن بعض الحصص الدراسية ... للمشاركة في التدريبات ... و بعض الأحيان كنا نحضر بعد صلاة العصر للتَدَرُّب ... و بعد شهرين من التدريب ... بدأنا أول تدريب كامل مع بقية المدارس المشاركة ... حيث استقلينا حافلة مدرسية كبيرة و ذهبنا مع مدربنا و مساعديه إلى استاد الدمام ... و هناك كانت توجد فرقة موسيقية خاصة من الحرس الوطني ... و بدأنا التدريبات الحقيقية على رتم الطبل الكبير مع بقية المشاركين ... كان الجو حماسي ... زادنا ثقةً بقدراتنا ... و أعطانا مجالاً من الحرية في الذهاب إلى الدمام و مقابلة زملاء نراهم للمرة الأولى بدون اصطحاب آبائنا ...
قبل نهاية العام الدراسي ... أعطانا مدربنا ملابس خاصة للمهرجان ... و أخبرنا أن الحفل الختامي سوف يكون غداً صباحاً ... في مدرسة إبن الهيثم القديمة ... حيث توجد ساحةً كبيرةً بقربها ... تم تحضيرها لتكون مقر المهرجان ... أرسلت الدعوات إلى آبائنا ... مع العلم أنّ الأهالي يستطيعون الحضور و الإستمتاع برؤية أبنائهم و هم يشاركون بمشاركات رئيسية في المهرجان ...
في اليوم الموعود ... لبسنا ملابسنا ذات الألوان الصارخة ... و حملنا أعلاماً ملونة نستخدمها في أداء العرض ... و حضرنا لموقع المهرجان من الصباح الباكر ... قمنا بأداء تجريبي واحد ... لكي نعتاد على الموقع الجديد ... و في تمام الساعة التاسعة صباحاً ... بدأ المهرجان ... بحضور آبائنا و عائلاتنا ... و قمنا بأداء ماهو مطلوب منا على أكمل وجه ... الجميع فخور بما قدم ... و المدرسة فخورة بما قام به أبنائها و مدربهم ... نؤدي الحركات المطلوبة منا ... و أعيننا تبحث عن أهالينا من بين هذه الحشود الكبيره ... نعم أبي كان هناك ... و أمي الحبيبة كذلك ... واقفة من بعيد ترمقني بخوف ... تخشى أن يصيبني مكروه من حركاتنا السريعة ...
عندما انتهى المهرجان ... توجهت إلى أبي ... و وجهي يحمل ابتسامة كبيرة ... فخوراً بما حققت ... يحملني أبي عالياً و هو يكيل لي المديح و الإطراء ... و أنا أضحك مسروراً ... بسرعة أركض ناحية أمي ... التي تبحث عني بين الطلاب و أهاليهم ... أضمها ضاحكاً و هي لاتزال تدعو لي ... أغمض عيني و أنا متشبث بها ... فأنسى التعب و المجهود الذي قمت به ... يتسلل مني التعب تحت قدم أمي ... أحسست براحةٍ كبيرة ... أتمنى لو يعود بي الزمن لأعاود الإحساس بها ... رحمك الله يا أمي و أدخلك جنةٍ عرضها السماوات و الأرض ... اللهم آمين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق