صغيراً كنت ... و لازلت ... بعد صلاة العصر ... يسمح لنا أهلنا باللعب خارج البيت ... مع أقراننا من أولاد الجيران ... الجميع لديه درّاجة ... إلا أنا و أخي ... نتمنى أن تكون لدينا واحدةً نشترك بها ... و لكن هيهات ...
نخرج من باب البيت الحديدي ... نجلس أمام البيت ... على الدكّة الخرسانيه المقابلة للساحة الكبيرة ... شرقي منزلنا ... نرى أقراننا كل يقود درّاجته بسعادة ... نؤشر لهم فيقدمون إلينا ... يقتربون بدرّاجاتهم إلينا ... حتى يحاذوننا فيضع كلٌّ منهم رجله على الأرض ليحفظ توازنه ... و نبدأ نتحدث عن يومنا الدراسي ... عن شراسة الأستاذ توفيق ... و لطافة الأستاذ "صهٍ صهٍ" و الأستاذ فؤاد ... و نعرج إلى أُمورٍ شتّى ... عن البحر القريب و صيد السمك ... و عن الرحلة التي يزعم كبار الأولاد القيام بها قريباً ... عند الكثيب الرملي القريب ... تحت السِّدْرَة الكبيرة ...
أطلب من إبن حارتنا ناصر أن يسمح لي بقيادة درّاجته ... آخذها و أدور بها في الطريق الرملي القريب ... بسعادة ... أحاول أن أبذل أقصى طاقتي لتنطلق بأعلى سرعة ... أتلذذ باللحظة ... أحس بالهواء القوي يصفع و جهي ... و أنا أشُقُّ عِبابَه ... نشوة القيادة بسرعة ... ترفع مستوى الإدرينالين في دمي لمستويات غير مسبوقة ... فأُحِس بِسُمُوٍّ و نشوةَ تحدٍ و رعب في آنٍ واحد ... إحساس أحب أن أشعر به بعد أيام من الركود و الهدوء ... إحساس يعطيني إنطلاقة و طاقة قصوى ... لأزيد من جرعة أحلامي ... و أرفع من مستوى المخاطرة لدي ... أعمد على سحب مقود الدراجة لأعلى ... لأمشي على إطار واحد ... أمشي لمسافةٍ ليست بالقصيرة ... ليعود الإطار الأمامي بعد فترة ليلامس الأرض ... أُرجِعُ الدراجة إلى صاحبها شاكراً إيّاه ...
كانت أمي و أخواتي يشاهدون ما قمت به من شرفة المنزل ... رأوا مدى سعادتي عندما أمسكت بالدراجة و انطلقت بها ... كان المشهد رسالة ... نقلت لهم مدى توقي لامتلاك درّاجةٍ ألعب فيها ... إمتلاك درّاجة ... بالنسبة لي و لأخي غازي ... حلم ... كان كثيراً مايداعب مخيِّلَتنا ... و مع هذا فإننا لم نِلح في طلبها .. فنحن نعلم أن والدي لايستطيع توفير النقود لشراءها ... فهو يكدح ليل نهار لتحسين مستوانا المعيشي ... و مع ذلك لا تزال الدرّاجة بالنسبة لنا من الكماليات ... هل سيأتي اليوم الذي نمتلك فيه درّاجة كأقراننا ...هل سيأتي اليوم الذي أمتطي فيه ظهر دراجتي لأجلب الخبز ... من الخباز هاشم في الصباح الباكر ... أحلام كثيراً ما تراود مخيلتي في وقت فراغي ... و أثناء مشيي من و إلى المدرسة ... ياترى هل سأحصل على واحدة لاسيّما و اني على شفا اختبار الشهادة الإبتدائية ... و التي تعتبر ذات قيمة في تلك الأيام ... فلدخول الإختبار تسجيل خاص ... و رقم جلوس ... و موقع الإختبار في مدرسة أخرى ... و الترتيب يكون على مستوى المملكة ... و النتائج تذاع في المذياع ... أتمنّى ذلك ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق