صغيراً كنت ... و لازلت ... انتهت السنة الدراسية ... و بدأت العطلة الصيفية الطويلة ... حصدت نتيجة جهودي خلال السنة الدراسية ... بتقدير جيد جدّاً ... و أنهيت مرحلة من مراحل حياتي كطفل صغير ... و بدأت أخطو نحو سن المراهقة ...
وعدني والدني بحفلة كبيرة ... إحتفالاً بنجاحي و نجاح أخي غازي ... و وعدنني أخواتي بجائزة كبيرة ... و أنا في ترقب لكل هذا ... استولت هذه الوعود على حيزاً كبيراً من أحلامي ... و ستبقى كذلك حتى تكون واقعاً ...
أعطاني أبي نقوداً ... طلب مني أن أذهب مع جارنا "شاهد" صاحب سيارة الأجرة ... إلى مخبز قديم في داخل الخبر القديمة ... لشراء صينيتين كبيرتين من الكعك المخبوز للتو ... و عدة قوارير من مشروب ال"فيمتو" ... و ذلك من أجل دعوة أصدقائي و أصدقاء أخي غازي لحضور حفلة نجاحنا ... آخذ النقود و أذهب مع "شاهد" إلى المخبز الوحيد الذي يخبز و يبيع الكعك ... أختار صينيتين كبيرتين لايزال عمال المخبز يقومون بتزيينها ... يطلب مني صاحب المخبز ثمن الصينيتين ... و كذلك طلب دفع تأميناً ... أستطيع استرجاعه بعد إعادة الصينيتين المعدنيتين ... نحمل الصينيتين و نضعهما على المقعد الخلفي للسيارة ... و نعود أدراجنا إلى البيت ... في الطريق ... بين الفينة و الأخرى ... أسترق النظرات من خلفي ... لأرى صينيتي الكعك ... و أنا سعيد بالنجاح ... و فرح لمبادرة والدي لتكريم نجاحنا بهذه الصورة ... نصل إلى البيت ... أخي غازي كان في انتظارنا بشوق ... يساعدني علـى حمل صينيتي الكعك إلى داخل المنزل ... أدفع ل"شاهد" أجرته ... و أسأله إن كان في استطاعته أن يمر علينا مساءاً ... لإعادة الصينيتين إلى المخبز و استرجاع نقود التأمين ... يوافق و يغادر ...
أجتمع مع أخي غازي و والدتي لنخطط و ننسق للحفلة التي سوف نحُييها هذا اليوم ... نتفق على أن تكون بعد صلاة العصر ... و أن ندعو جميع زملاءنا في الصف و جميع أبناء حارتنا ... نخرج أنا و أخي غازي ... لدعوة زملاءنا ... و تقوم والدتي و أخواتي بالتجهيز للحفلة ...
بعد صلاة العصر ... بدأ زملاءنا و أبناء الحارة التجمُّع في بيتنا ... أستقبلهم و أقودهم إلى الدور الأرضي ... حيث فرشت والدتي أرضيته بما هو موجود لدينا من السجاد ... و عند وصول جميع المعازيم ... أحضرت الكعك و أخذ كل ضيف نصيبه من صينية الكعك مباشرةً ... و كأساً من شراب ال"فيمتو" ... أكلنا و تحدثنا ... ثم خرجنا لنلعب الكرة خارج البيت ... و لبثنا كذلك حتى خيَّم المساء ... و انصرف كلٌّ إلى بيته ...
ماأجمل البساطة في ذلك الوقت ... و ما أجمل نفسيات زمن الطيبين ... حضر الجميع ... و لم يعتذر منهم شخص واحد ... حضر الجميع يرتدون ملابسهم البسيطة ... و ابتسامتهم المعهودة ... و الأهم... قلوبهم الطيبة ... التي لاتحمل غلّاً و لا حسداً ... بل مملوءةً حبّاً للجميع ... لايوجد أعداء ... بل إخواناً متحابين ... تجمعهم المعاناة ... و قلة ذات اليد ... و الشعور بالإنتماء للحارة الصغيرة ... لأثلها و سدرها و سبخاتها و كثبانها و بحرها ... لملوحة هواءها و رطوبة ترابها ... لاتزال ذكرياتها قريبة من قلبي .... و أهلها راسخين في كياني ... و لاتزال قصصها تحرك مشاعري ... و أحداثها حديث لساني ... أحبك يا حارتي القديمة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق