صغيراً كنت ... و لازلت ... لاأزال طفلاً في الصف السادس ... صفي غرفةٌ صغيرةٌ في الطابق الثاني ... ذات تهوية و إنارة جيدة ... أحب درس العلوم ... حيث يدرسه الأستاذ فؤاد ... القادم من السودان ... و ذو القلب الطيب ...
طريقة الأستاذ فؤاد في التدريس جميلة جدّاً ... شرحه بسيط و وافي ... يبذل جهداً كبيراً ... ليتأكد من فهمنا للدرس ... حصة اليوم كانت عن الصناعات الزراعية ... كيف تتم صناعة المربى من الفواكه ... و كيف تتم صناعة الصابون من زيت الزيتون ... مواضيع كبيرة بالنسبة لطلاب الصف السادس ... و كان الأستاذ فؤاد يشرح ذلك بحماس كبير ... أخبرنا أن صناعة الصابون قديمة جدّاً ... حيث كان يفرك الناس قديماً أجسادهم بزيوت و رماد ... من أجل تنظيفها و تنقيتها ... حتى تطورت مع الزمن و أصبح الصابون يصنع على شكل قوالب ... و سألنا إن كانت لنا رغبة بعمل ذلك في المدرسة ... بصناعة علبة من المربى و قالب من الصابون ... بفضول كبير وافقنا على ذلك ... فإني أود أن أُرِي والِدَي ما استطعت أن أتعلمه في المدرسة ... و أجلب لهم قطعةً من الصابون و قليلاً من المربى قمت أنا بالمساعدة على صناعته ... متشوقين لذلك ... فوزع الأستاذ فؤاد المهام علينا ... فأحدنا سوف يجلب زيت زيتون ... و الآخر صودا كاوية ... و آخر ملح طعام ... و آخر أعشاب عطرية ... و آخر سكر أبيض ... و طلب منا جميعاً أن نجمع قشور البطيخ الأحمر ... أو ماندعوه بالجح ... و نأتي بها إلى المدرسة في اليوم التالي ...
في اليوم الموعود ... جمع الأستاذ فؤاد ماجلبناه من منازلنا .. و بدأ بتوزيعنا إلى مجموعتين ... مجموعة صناعة الصابون ... و مجموعة صناعة المربى ... بدأت مجموعة المربى بتقشير الطبقة البيضاء من قشور الجح ... و وضعها في إناء على نار هادئة ... بُغية تحويل هذه القشور الصلبة إلى مزيج هلامي ... و من ثم يوضع السكر عليه في مرحلةٍ متأخِّرة ... و يوضع في برطمانات زجاجية ... يأخذ كلاًّ منّا واحدةً إلى بيته ...
مجموعة صناعة الصابون ... التي كنت من ضمنها ... بدأنا بوضع الصودا الكاويه في قدر مملؤ بالماء ... و يتم تحريكه بصفه مستمرة ... حتى تذوب الصودا في الماء ... ثم بعد حوالي الساعة ... أضفنا الملح مع التحريك المستمر ... ثم زيت الزيتون مع التحريك المستمر .. إلى أن أصبح قوام الخليط ثقيلاً ... و نحن مستمرين في التحريك لحصةٍ كاملة ... ثم رششنا على المخلوط بعضاً من الأعشاب العطرية ... ثم وضعنا هذا الخليط ثقيل القوام ... في قوالب و تركناها في الغرفة لتجف ... يقول الأستاذ فؤاد أنها سوف تتحول إلى قوالب صابون بعد أسبوع واحد ...
أذكر أن مجموعة صناعة المربى تركت القشور على النار ... و رجعوا لإنهاء صناعة المربى في عصر ذلك اليوم ... حيث أن طبخ المربى يستغرق وقتاً طويلاً على النار الهادئه ... في اليوم التالي ... جلب كلاً منا برطمناً زجاجياً صغيراً لأخذ حصته من المربى اللذيذ ... ... و بعد أسبوع ... رجعنا إلى البيت .. و كلّاً منا يحمل قالباً من الصابون ذو الرائحة العطرة ... كأطفال كنا فخورين بقدرتنا على صناعة شيء محسوس ... و أخذه معنا إلى عائلاتنا لتتذوق و تجرِّب ما صنعته أيادينا الصغيرة ... نحبك ياأستاذ فؤاد ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق