صغيراً كنت ... و لازلت ... في حارتنا الصغيرة المطلة على البحر ... لاتزال أحلامنا بسيطة ... و قلوبنا الصغيرة صافية تحب الخير للجميع ... نعرف الكثير عن حارتنا ... حارتنا فقط ... و لانعلم الكثير عن ماهو قابع خارج حدودها ...
خالي محمد ... أخ أمي غير الشقيق ... أحبه و أستمتع بالجلوس معه ... هو الوحيد الذي يأخذني خارج محيط حارتنا ... و يعرِّفَني على أشياء لم أكن لأعلمها لولاه ... فتارة يأخذني إلى البحر القريب ... و تارةً إلى شارع الأمير خالد ... و هذه المَرَّة أخذني إلى أغرب من ذلك ... لذلك فهو يمثِّلُ لي ... جميع فُرَص المغامرات التي أحلم بها ... و فُرَص العلم بما لا أعلم ... فيفتح عيني على أشياء تحفزني على معرفة المزيد ... و تفتح عيني على وجود أشياء لا أعلم بوجودها أصلاً ... و تضعني على باب المرحلة الثانية من العِلْم ... فهو خالي و أخي و صديقي أدام الله عليه الصحة و العافية ... و أمَدَّ في عمره و أصلح عمله ...
في حارتنا الصغيرة ... يوجد دكّانين صغيرين ... و توجد دكاكين أُخَر على أطراف حارتنا ... هي بقّالات صغيرة جديدة ... لايوجد بها الكثير من البضاعة ... فقط المتطلبات الرئيسية لأهالي الحارة ... و هي متطلّبات قليلة جدّاً قياساً بالوقت الحالي ... ندعوها دكّاناً ... و لم نعرف مسمّى البقالة إلا بعد سنواتٍ عدّة ... كان حجم الدكان لايتعدّى عشرة أمتار مربّعة ... توجد فيه معلّبات قليلة ... نوعين أو ثلاثة من الحلويات ... و مثلها من البسكويت ... و صندوقاً خشبياً يحوي قوارير المشروبات الغازية و العصائر ... توضع في الصندوق المعبّأ ثلجاً لتبريدها ... و تُغلق هذه الدكاكين حين يحل المساء ...
في هذه الأثناء تم افتتاح مركزاً كبيراً للتسويق ... مخصّص لمتطلبات الأجانب ... و خاصةً الأمريكان العاملين في شركة أرامكو ... مركزاً كبيراً جدّاً بمقاييس تلك الأيّام ... به الكثير من البضائع ... أغلبها مصنّع في أمريكا ... و يوجد به عند بابه خطّين لتسديد قيمة المشتريات ... كل خط مهيأ بحزام متحرّك و آلة حاسبة و صندوق للنقود ...
كنا لا نفكّر في الدخول إليه أبداً ... لاكتفائنا بما لدينا من دكاكين ... فهي تلبي جميع متطلباتنا ... في يومٍ من الأيام ... اصطحبني خالي محمد إلى هناك ... دخلت معه و أنا خائف ... فجميع مرتاديه من الأمريكان ذوو البشرة الحمراء ... أشكالهم غريبة علي ... و المحل مملوء بأشياء غريبة جِدّاً لا أعلم ماهي ... اللغة العربية معدومة ... جميع الزشياء تحمل أسماء كتبت باللغة الإنجليزية ... هناك ثلّاجات طولية كبيرة ... مملوءة بلحوم و علب معدنية و أكياس تحمل صوراً و أشياء كثيرة ... هناك ثلاجة مملوءة بالكعك البارد المُثلّج ... و هناك ثلاجات بها قوارير زجاحية و بلاستيكية غريبة الألوان ... و الأشد غرابة تلك الرفوف التي تحمل علباً و أكياساً عليها صور قطط و كلاب و طيور ... يخبرني خالي بأن هذه مأكولات للحيوانات فأزداد عجباً ... هل يشتري الناس أكلاً للكلاب؟ لماذا لايعطوها فضلات طعامهم؟ هل يدفع شخصاً مبلغاً كبيراً من أجل إطعام حيوان؟ و بني البشر لاتكفيهم مدخولاتهم لإطعام أهاليهم؟ عجيبٌ هذا الزمن!!
يأخذ خالي محمد سلّة يدويّة صغيرة ... و يضع فيها علبتين من ثلاجة الكعك ... و قارورة بلاستيكية بيضاء ... و نمضي للمحاسبة ... نقف في طابور طويل حتى يحين دورنا ... يضع خالي عصا بلاستيكية على الحزام المتحرك ... لتحول بين اختلاط ماشتريناه مع الأغراض الموجودة على الحزام ... و يفرغ السلة واضعاً مشترياتنا على الحزام ... يدفع للمحاسب الذي يضع مشترياتنا في كيس ورقي ... و نغادر المركز ... و أنا لا أزال مبهوراً بما رأيت ...
عند وصولنا إلى البيت ... نجتمع مع أفراد عائلتي ... و يفرغ خالي محتويات الكيس الورقي أمامنا ... و يفتح علب الكعك و يقسِّمه بيننا ... و يطلب فناجين يصب فيها الحليب البارد ... و نأكل و نشرب مستمتعين بمذاق الكعك اللذيذ ... و بطعم الحليب البارد الفريد ...
سبحان الله كيف الزمن تغير .. والجميل انك عايشت زمنين مختلفين .. واكيد كان لطعم الكعك والحليب طعم اخر .. كل شي للمره الاولى يكون احلا واجمل ..
ردحذفكتاباتك متميزه وفريده .. لانها تحوي احداث زمن ماعشناه وهي في نفس المنطقه لاكن الزمن مختلف ..
طبعا يا اخي الكاتب لاتضحك على اسلوبي لاني احب اقرى لاكن ما احب اكتب ..فلك على الاسلوب ههههههه
ام الهنوف