صغيراً كنت ... و لازلت ... أسعدني أبي بالحفلة التي أحياها بمناسبة نجاحي مع أخي غازي ... و لا زلت أنتظر هديّةَ النجاح التى و عدنني بها أخواتي ... و التي أعلم أنها الدرّاجة التي طالما حلمت بها ...
أكبر أخواتي قد تزوجت و سافرت مع زوجها إلى أمريكا لإكمال دراسته مبعوثاً من شركة أرامكو ... باقي أخواتي اللاتي يكبرنني ... يدرسن في معهد المعلِّمات ... و هو معهد يدخلنه بعد المرحلة الإبتدائية ... لتأهيلهم ليصبحن معلمات بعد تخرجهن ... مدّة الدراسة ثلاث سنوات ... يحصلون خلالها على مكافأة شهرية قدرها مائة و خمسون ريالاً طيلة مدة الدراسة ... نظراً لشعورهُنَّ المُرهف ... و لإحساسهن بي ... قرّرن أن يشترين لي الدرّاجة التي طالما رغبت اقتنائها ... في اليوم الموعود ... أخبرتني أختي بأني سوف أرافقها مع والدي إلى الدمام ... لشراء بعض الحاجيات المطلوبة لدراستها ... و شراء الدرّاجة الحُلُم ... أكاد أطير فرحاً ... و على أحَرِّ من الجمر ... أنتظر عودة أبي من العمل ... لنذهب إلى الدمام ... و تتحقق أمنيتي ...
قدِمَ أبي من العمل ... تناول الغداء و ارتاح قليلاً ... ركبنا الشاحنة الصفراء بعد صلاة العصر ... و انطلقنا إلى الدمّام ... كانت الدمّام بعيدة عن حارتنا ... و في هذا اليوم على الأخص ... إزدادت بُعداً ... الطريق الذي يربط بين الصبيخة و الدمام مروراً بالخبر و مدينة العمال ... طريق ذو مسارٍ واحد ... يشق عباب أرض قاحلة ... يقطعه الطريق المؤدي إلى الراكة و آخر يؤدي إلى منطقة تدعى "شورلين" ... و هي منطقة بها العديد من البيوت الخشبية "صنادق" ... يسكنها موظفي حرس الحدود و أهاليهم ... و توازي شاطىء الدمام ... تنتهي عند الطريق المؤدي إلى ميناء الدمام ... قبل الوصول إلى مدينة العمال في الدمام ... هناك أحواشٌ و غرف خشبية ... يساراً ... في موقع إسكان الدمام الحالي ... حيث تكونت هذه القرية في فترة و جيزة ... حيث كانت تُدعى "أم حويض" ... ننعطف يميناً قبل ملعب الكرة و نستمر إلى شارع الأمارة القديمة ...و التي كانت على شاطئ البحر ... و من هناك نقصد سوق الدمام ... و الذي كان يدعى "سوق عيال ناصر" ... و سوق الحُب ... الذي يعتبر حديثاً في ذلك الوقت ... و له شُهرة كشُهرة سوق السويكت هذه الأيام ...
نركن الشاحنة ... و نترجّل منها و نقصد سوق الأواني ... حيث اشترت أختي الكثير من الأواني و ذلك استعداداً للإختبار العملي لمادة التربية النسوية ... و التي يقومون فيها بطبخ مائدةٍ كاملة ... باشراف مدرِّسة المادة ... و بناءاً على طريقة الطبخ و التقديم ... يتم تقييم الطالبة ... وأنا خائفاً من أن يتم إنفاق جميع الأموال و لايتبقّى شيء لشراء الدرّاجة ... كنت أسأل والدي على الإنتهاء بسرعة ... و أسأل أختي بين الفينة و الأخرى للتأكّد من عدم نفاذ النقود ... ننتهي من الأواني و نذهب لشراء بعض الملابس ... يا الله أما آن لهذا اليوم أن ينتهي ... أما آن وقت الذهاب إلى محل الدرّاجات ... مُتَمَلْمِلٌ طول الوقت ... حتى أتى الفرج بعد ساعات عدة ... و قصدنا محل بيع الدرّاجات ...
يالها من درّاجات كثيرة ... و أنواع شتّى ... ألوان غريبة ... و أحجام متفاوتة ... أخبرني البائع أن الحجم المناسب لي هو ٢٤ ... لا أعلم مايعني ذلك ... و لكن هذ هو الحجم الذي ينبغي مني الحصول عليه ... يبدأ البائع كبير السن ... بلهجته الحساوية ... يشرح لنا مزايا الدرّاجات الموجودة ... و انتهى الخيار في اثنتين ... متطابقتين ... واحدة حمراء و الأخرى خضراء ... أعجبتني الدرّاجة الخضراء ... حيث لونها غريب ... لم أرى مثله عند زملائي ... رغبت في التفرّد ... فأخبرت أبي بأن هذه هي الدرّاجة التي أريد ... تجادل والدي مع البائع في السعر ... حتى اتّفقا على شرائها بثمانين ريالاً ... أقودها إلى الشاحنة ... يضعها والدي في الصندوق ... و أطلب من والدي أن أجلس في الصندوق ... مع الدرّاجة ... و نعود أدراجنا إلى البيت ...
ممتنّاً لأخواتي على هذه الهديّة الرائعة ... و على تضحيتهم بمالهم بُغْيَةَ إسعادي ... بحُكم عمري في ذلك الوقت ... لم أشكرهم كما ينبغي ... و لكني في قرارة نفسي ... أحِسّ بامتنانٍ كبير لهم ... لأنّهم حقّقوا لي حلماً من أحلامي ... بالرغم من استبدادي في بعض الأحيان ... و إحساسي بفعل التربية و المجتمع الذكوري في ذلك الوقت ... بأنّ الولد أفضل من الفتاة ... و أن المُجتمع كان يقدِّر الذكور أكثر من تقديره للإناث ... مع ذلك ... فعاطفة الأنثى طاغية ... و عطاءها بلا مقابل و بلا حدود ... ... يالله ... كم أحبكم أخواتي ... شكراً على إسعادي ... و على عطائكم و حبكم الدائم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق