السدرة الكبيرة ... و التي ملئت الحارة الصغيرة ضجيجاً ... تتوسط بيوت الحارة الطينية ... جميع نوافذ الحارة تطل عليها ... و جميع زواياها مكشوفةً لأهل الحارة ... أحداث الحارة المفرحة و المحزنة ... تبدأ منها ... و تنتهي إليها ... تمتلأ بأسرارهم البسيطه ... تحب الجميع و الجميع يحبها ...
ظلام دامس ... هدوء تام ... الله أكبر ... الله أكبر ... أذان الفجر يصدح في جميع مساحات الحارة ... يتردد صداه على جدران بيوتها البسيطه ... ما أن ينتهي المؤذن من الأذان ... حتى تسمع صوت أبواب تُفتح ... يخرج منها رجالاً قد خط الزمن خطوطه في وجوههم ... و أحنت أيّامه ظهورهم ... و هم في طريقهم إلى المسجد الطيني ... مسبِّحين مهللين ... تسمع لتسبيحهم أزيزاً كأزيز النحل ... يدخلون مستفتحين بدعاء دخول المسجد ...
فرحان ... إبن السبع سنين ... و الذي يحب الإستيقاظ مبكراً ... كان كعادته ... أول الشباب دخولاً للمسجد ... حيث يحب أن يجلس تحت السدرة ... بعد الإنتهاء من صلاة الفجر ... يجلس على فرعٍ من فروعها الكبيرة ... نجومٌ كثيرة تتلألأ في السماء ... تعجبك كثرتها ... بيوت الحارة التي تحيط بالسدرة ... و التي تقبع في ظلام دامس ... يكسره ضوء القمر الضعيف ... الذي يجعل للسدرة ظلّاً مرسوماً على الأرض ... يعانق جدران البيوت القريبة ... هدوء تام ... يستمتع فرحان بالإنصات إلى صوت هذا الهدوء ... لينظف أذنيه من إزعاجات اليوم السابق ... هواء لطيف منعش ... يملأ رئتيه به ... و ينظفها من تلوث الأمس ...
طيور كثيرة قابعة في أعشاشها في أعلى السدرة ... استيقظت للتو ... و بدأت تزقزق و تعزف ألحان الفجر ... منتظرةً شروق الشمس ... لتنطلق و تبحث عن رزقها ... فرحان يتابع بإحساسه هذه الأجسام الجميلة ... مستمتعاً بالإستماع إلى حركاتها و زقزقتها ... كأنه في مسرح كبير ... يستمتع بأداء جوقةٍ من العازفين المَهَرَة ... فرحان يعلم أن هذه الطيور لاتهابه ... فهو صديقها اليومي ... الذي تجده دائماً في انتظارها لتبدأ يومها ... فهي تحبه و هو يحبها ...
بدأ نور الشمس يسلخ طبقة الظلام ... بدأ لون الشروق الوردي يطرد سواد الليل ... إحساس لايفوته فرحان ... يحب أن يبدأ يومه بجمال و ينهيه بجمال ... يمكث في مكانه ليَحْضُر ولادة اليوم الجديد ... ليحقق بعضاً من أحلامه ... و بعضاً من أحلام والده العجوز ... يظل فرحان جالساً في مكانه لحين خروج والده من المسجد بعد شروق الشمس ... لينزل فرحان من فرع السدرة الكبير ... و يمسك بيد والده ... فيقوده والده إلى البيت ... و هو لايزال يتمنى أن يتحقق حلمه الوحيد ... رؤية وجه والده العجوز ...
اعجبني وصفك وتصورك ..
ردحذفجميل يابو فهد..
ام الهنوف