الأربعاء، 6 مارس 2013

تركي

منذ مولدي و أنا بين أحبابي ... فأنا بِكْرُ أبي و أمي ... نعيش سوياً في منزل جدِّي و جدَّتي ... جدي لأمي توفي قبل مولدي ... و جدتي لأبي توفيت و أنا صغير جدّاً ... لدي الكثير من الأعمام و العمّات ... و الخوال و الخالات ... فنحن في عرف المجتمع ... عائلة كبيرة بعدد أفرادها ...

نسكن في شارع صغير ... في أحد أحياء الخبر ... مقابل بيتنا يوجد بيت جدِّي الثالث ... فجدّي متزوج من ثلاث نساء ... في آخر الشارع يسكن عمي و خالتي ... فعمي متزوج من خالتي ... و لديهم العديد من الأبناء و البنات ... جارنا محمد جداره لصيق جدارنا ... تربطنا به علاقات عائلية معقدة ... لا داعي لأن أصدِّع رأسكم بها ... أخ محمد الكبير متزوج من إحدى عمّاتي ... و يسكن في نفس الشارع ... من الجهة المقابلة ... بجانبه بيت أبوه و أمه ... و في طرف الشارع أرض ذات سور و باب خارجي كبير ... قد أقام فيها أخ محمد خيمةً كبيرة ... صارت مركز تجمع الحارة الصغيرة ... و ملاذ أفرادها ... بعد يوم عمل مضن ... ينسون فيها آلامهم ... و إحباطاتهم ... و يطلقون الحبل لأنفسهم البريئة ... لتكون على طبيعتها ... بدون أي تكلف ... يقولون ما يجول في خاطرهم ... يضحكون و يمزحون ... حتى تحين الساعة العاشرة ... لينصرف كلّاً منهم إلى بيته ... ليريح جسده ... و يستعد ليوم عمل مضن آخر ... منهم من ينطلق إلى عمله في الظهران ... و منهم من يقصد الجبيل ... هذه حياة آبائنا كل يوم ... 

أنا و بقية الأطفال ... نجتمع يوميّاً ... لنلعب على درّاجاتنا ... في شارع الحارة ... أو نقصد البقّالة القريبة ... أو نلعب معاً في البليستيشون ... نحن على هذه الحال ... حتى بلغت الثانية عشر من العمر ... ليحدث ما لم يكن في الحُسبان ... بدأها عمي ... انتقل إلى كوريا مع عائلته جميعاً ... لظروف عمله ... و ختمها أخ محمد ... حيث إشترى عدة أراض في الدمّام ... و بنى فيها عدة مبانٍ ... له و لإخوانه و والديه ... مبان لصيقة ... قريبة من بعضها ... و لكنها بعيدةً عنّا ... بعيدةً جِدّاً ... و في يوم كئيب ... بدأ الشارع الصغير ... يفقد الحياة بتدرُّج ... كلّما انتقلت عائلة ... خف ضجيجه و وهجه ... حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ... منذ قرابة الشهر ... إذا خرجت إلى الشارع لصلاة الفجر ... تراه فارغاً بعد امتلاء ... كئيباً بعد فرح ... و مظلماً بعد نور ... و لم يعد إيجاد موقف لسيارة والدي بمشكلة بعد الآن ... فَقَدَ الرصيف آثار سياراتهم الكثيرة ... و بدأ يشكي حاله لي ... قال أبي بعدما مرّ بجانب بوابة سور الخيمة ... و رآه مقفلاً :

و الباب ... عقب المطاليق ... مصكوك
لا عاد به مجلس ... و لافيه ... دكَّة
عزي لحالي ... و عزتي لك ... يا ترّوك
في العين عبرة .. و داخل الكبد ... ضكّة

هناك 3 تعليقات:

  1. ليس للإبداع حدود

    خالي أبو فهد

    كنت مبدعاً ولازلت وستظل كذلك إن شاء الله
    بعدما كنت تنقل لنا مايجول في خاطرك من ذكريات وأحاسيس ومشاعر
    ها أنت تنقل لنا مايجول في خاطر غيرك وهذا أمرٌ ليس بالسهل
    ما شاء الله تبارك الله

    أبو مضاوي

    ردحذف
  2. سلمت أناملك يابوفهد بس عندي مﻻحظة صغيرة جدا ﻻتنسى إن أخومحمداللي هوفيصل جد تركي من الرضاعة وأناعمته وجدته فالواجب إن تركي يقول بيت جدي بدل إنه يقول أخومحمدوكأنه بعيدمرة اختك اامحبة هيا

    ا

    ردحذف
  3. جبتها على الجرح يا بو فهد. لا فرق لنا شملا وجمعنا واحبائنا قريبا باذنه تعالى.

    ردحذف

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...