الأحد، 31 مارس 2013

المَهَدَّة

صغيراً كنت ... و لازلت ... أتطلع إلى والدي بعين الإعجاب ... فهو بالنسبة إلي ... شخص مبدع ... يتعلم عمل الأشياء ... و يعمل على اختراعها من جديد ... لاأنسى عندما صنع صندوقاً جميلاً للراديو الضخم ... نزع جميع محتوياته الداخلية ... و ثبتها ببراعه في هذا الصندوق ... ليكون أجمل ... و أحسن صوتاً ...

يعمل يومه في شاحنته ... و بعد العصر في اختراعاته ... و يوم الجمعة يكون لنا ... نذهب إلى البحر أو البر ... فتارةً يأخذنا إلى شاطئ العزيزية ... و تارةً إلى بر ”لنية“ ... و تارة إلى عين السيح ... و تارةً إلى مزرعة ”الحِنّاه“ ... و تارةً إلى مزرعة زوج عمتي في الدمّام ... و لكن أعظم متعةً لي ... عندما يصحبني معه لصيد السمك ... 

نذهب من عصر يوم الخميس إلى شاطئ العزيزية ... بجانب جزء من البحر هناك ... يدعوه والدي ”المَهَدَّه“ ... و ذلك رابط ضيق بين بحرين ... يكون تيّار الماء فيه قويّاً جدّاً ... حيث يتحرك ماء البحر بين هذين البحرين ... بقوةً ... جيئةً و ذهاباً ... و توجد فيه الكثير من الأسماك ... هوامير و بدح و شعوم و نواعيض و هريري ... أنواعٌ كثيرة كانت هذه مسمّياتها في ذلك الحين و لاتزال ... هذين البحرين هما ماترى في الوقت الحالي على جانبي طريق العزيزية ... بعد الدوار يميناً ... كانا متصلين بقوّة ... حيث تتغير المياة في البحر الصغير ... أسرع مما هو عليه الآن ... و يوجد به أسماك كثيرة بخلاف ماهو عليه الآن ...

يقوم والدي بنصب شبكة الصيد ... أو ماندعوه ”الغَزْلْ“ في تلك الأيام ... بعيداً عن فتحة المهدّة ... بحيث لاتتأثر بقوّة التيار ... و في نفس الوقت ... قريبة من مسار الأسماك التي تعبر المهدّة ... و هي في طريقها إلى البحر الكبير ... يثبِّتها أبي بحجارة من أسفلها ... نتركها هناك ليلتها ... و نعود إلى البيت ... 

نستيقظ لصلاة الفجر ... نصلي ... نشرب الشاي بالحليب مع والدتي ... و نغادر في شاحنة والدي ... لنجلب ما كتبه الله لنا من صيد البحر ... الطريق طويل إلى العزيزية ... مع العلم أن منزلنا كان قريباً من موقع سوق اللولو حاليّاً ... نسلك الطريق الإسفلتي الوحيد ... و الذي يتحول إلى طريق رملي بمجرد وصولنا قريباً من موقع الإسكان حاليّاً ... كثبان رملية كبيرة ... نخرج منها بصعوبة ... حتى نسلك طريقاً يعبر سبخات عدّة ... أغلبها رطباً قد زادته ملوحة البحر قوّةً و شِدّة ...  

نصل إلى مبتغانا ... نخلع ثيابنا ... و نخوض البحر بأوزرتنا ... والدي يحمل معه جفيراً من الخوص ... يسَمّي بالله ... و يبدأ في نزع السمك من الشبكة ... و وضعه في الجفير ... أنا معه ... أرى مايصنع و أحاول تقليده ... بخوف أقرب يدي من سمكةِ ”بدح“ ... أمسكها بخوف و أحاول تخليصها من الشبكة ... و هي تتحرك ... راغبة في الفرار ... أنجح في ذلك و لكنها تفر من بين يدي ... منطلقة إلى البحر الكبير ... يريني والدي كيف أمسكها ... بوضع يدي اليسرى أسفلها ... و أقبض عليها من أسفل رأسها من الجانبين ... و أبدأ في تخليصها من الشبكة بيدي اليمنى ... يحذرني من أشواكها ... و يتركني لأتعلم ... لأنجح في ذلك ... و أضع أول سمكة لي في الجفير الذي امتلأ بالسمك ... 

نعود إلى سيارة والدي بهذا الصيد الوفير ... يخبرني والدي بأنه سوف يقوم بصنع تنّور من الطين ... لتحضير السمك ... بطريقة جديدة ... خلاف ما اعتدنا عليه ... أفرح لذلك ... فسوف أتعلّم المزيد ... لأُبحر معه في حالة إبداع جديدة ... و أضيف إلى رصيدي من الخبرات ... جديد ابداعاته ...

هناك تعليق واحد:

  1. الله يعطيك العافيه ياابو فهد وبطول في عمر ابوي فهيد وعمرك حلوه حياتكم وكل شي له طعم والله احسن من ذا الوقت الحمد الله. ..زوجتك ام فهد.

    ردحذف

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...