صغيراً كنت ... و لازلت ... أحب مشاركة والدي عندما يعمل في تصليح الأشياء ... و كثيراً ما يقوم بذلك ... أساعده في إصلاح السيّارة ... أجلب له مفاتيح المسامير المختلفة ... حسب رقمها ... و أنظف له قطع المحرّك من الزيت و الشحم ... بغسلها بالبنزين ... و أُسعد عندما يدير محرك السيّارة ... و أسمع صوته ... ليُثبت أننا قمنا بإصلاحه و بعث الحياة فيه من جديد ...
اليوم سوف نقوم ببناء تنور طيني في ساحة منزلنا … أساعد والدي في جلب الطين من خارج البيت … هناك الكثير منه في الطريق … حيث يستخدمه المقاول في تحسين طرق الحارة الرملية … و لم يمانع في أخذ كميّة بسيطة منه …
يختار والدي ركنة خارجية من أركان السور … حيث جلبنا كميةً كبيرة من الطين … و نبدأ في خلطه بالقليل من الرمل و الماء … حتى صار قوامه مثل معجون الصلصال … سهل الفرد و متماسك … نقوم بعمل أرضية التنور … ثم نبدأ في بناء جوانبه … بطريقة منحنيه … لنترك فتحة صغيرة في أعلاه …
تركه والدي حتى العصر … ثم وضع فيه بعض الأخشاب ... و أشعل فيها النار … و تركه ليجف و يتقوّى … و عند المغرب جهّزه والدي لنستعمله في صُنع عشائنا … طاجن من سمك الهامور الذي اصطدناه صباح اليوم … حيث قامت أمي بتنظيفه … و حشوه بالبصل و الليمون و الثوم و الكزبرة … وضعته في إناء بيضاوي الشكل … و غطّته بغطاءٍ معدني … ليدخله والدي في التنّور … بعد أن تحول الحطب في قاعه إلى جمر أحمر … و وضع غطاءاً خشبي على فتحة التنور … و تركه يستوى على مهل …
عندما حان وقت العشاء … جهزنا سفرتنا البسيطه … سفرة من الخوص قد صنعتها جدّتي … يتوسّطها صحن كبير من الرز الأبيض … مدهون بدهن بقري مصنوع من زبدة لبن بقرة جارتنا أم فريد … تميرات مبثوثة على السفرة … يخرج والدي طاجن الهامور من التنور … و يضعه على السفرة … يفتح الغطاء لتنبعث رائحةُ جميلة من الطاجن … نبدأ الأكل بعد أن نسمي بالله … وجبةٌ قد تعبنا في صيد إدامها … و صنع تنّورها … لتجد لها مكاناً دائماً في الذاكرة … لم و لن أنساها … و لن أنسى طعمها اللذيذ … و جَمعَتنا الجميلة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق