الاثنين، 1 أبريل 2013

التنّور

صغيراً كنت ... و لازلت ... أحب مشاركة والدي عندما يعمل في تصليح الأشياء ... و كثيراً ما يقوم بذلك ... أساعده في إصلاح السيّارة ... أجلب له مفاتيح المسامير المختلفة ... حسب رقمها ... و أنظف له قطع المحرّك من الزيت و الشحم ... بغسلها بالبنزين ... و أُسعد عندما يدير محرك السيّارة ... و أسمع صوته ... ليُثبت أننا قمنا بإصلاحه و بعث الحياة فيه من جديد ... 

اليوم سوف نقوم ببناء تنور طيني في ساحة منزلنا … أساعد والدي في جلب الطين من خارج البيت … هناك الكثير منه في الطريق … حيث يستخدمه المقاول في تحسين طرق الحارة الرملية … و لم يمانع في أخذ كميّة بسيطة منه … 

يختار والدي ركنة خارجية من أركان السور … حيث جلبنا كميةً كبيرة من الطين … و نبدأ في خلطه بالقليل من الرمل و الماء … حتى صار قوامه مثل معجون الصلصال … سهل الفرد و متماسك … نقوم بعمل أرضية التنور … ثم نبدأ في بناء جوانبه … بطريقة منحنيه … لنترك فتحة صغيرة في أعلاه … 

تركه والدي حتى العصر … ثم وضع فيه بعض الأخشاب ... و أشعل فيها النار … و تركه ليجف و يتقوّى … و عند المغرب جهّزه والدي لنستعمله في صُنع عشائنا … طاجن من سمك الهامور الذي اصطدناه صباح اليوم … حيث قامت أمي بتنظيفه … و حشوه بالبصل و الليمون و الثوم و الكزبرة … وضعته في إناء بيضاوي الشكل … و غطّته بغطاءٍ معدني … ليدخله والدي في التنّور … بعد أن تحول الحطب في قاعه إلى جمر أحمر … و وضع غطاءاً خشبي على فتحة التنور … و تركه يستوى على مهل …

عندما حان وقت العشاء … جهزنا سفرتنا البسيطه … سفرة من الخوص قد صنعتها جدّتي … يتوسّطها صحن كبير من الرز الأبيض … مدهون بدهن بقري مصنوع من زبدة لبن بقرة جارتنا أم فريد … تميرات مبثوثة على السفرة … يخرج والدي طاجن الهامور من التنور … و يضعه على السفرة … يفتح الغطاء لتنبعث رائحةُ جميلة من الطاجن … نبدأ الأكل بعد أن نسمي بالله … وجبةٌ قد تعبنا في صيد إدامها … و صنع تنّورها … لتجد لها مكاناً دائماً في الذاكرة … لم و لن أنساها … و لن أنسى طعمها اللذيذ … و جَمعَتنا الجميلة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...