الأربعاء، 3 أبريل 2013

صداقة

تلعبان معاً ... تركضان على صعيد الكثيب الرملي الأحمر ... حتّى وصلت خاتون إلى قمته ... تقف لتلتقط أنفاسها ... وضحى لا تزال تبذل مجهوداً كبيراً ... ليتسنّى لها الوصول إلى القمّة ... تقف في منتصف المسافة مستسلمة ... فالجهد المطلوب فوق طاقتها ... 

تنزل خاتون من القمّة ... تجلس بجانب وضحى ... ترفع عينيها ... تمد يدها لتزيح شعرها الخشن عن وجهها ... ترى حزناً عميقاً ... عينان حمراوان ... أنف رطب أحمر ... خدّان داكنان متورِّمان ... زادهما الجهد المبذول حمرةً جميلة ... ”ما هنالك؟“ ... تسأل خاتون مسترسلةً ... ”لماذا أنت حزينة يا وضحى؟“ ... ”آه يا خاتون ... لست سعيدة أبداً ... أحمل همّاً كبيراً ... هم الدراسة التي مهما حاولت ... و مهما بذلت من جهد ... لا أستطيع فهم ما يريدون ... هم هذا الوزن الزائد ... الذي يقف حجر عثرةٍ في طريق سعادتي ... و قضاء شئوني ... لا أحب حفلات الزواج ... لا أحب الإجتماعات العائلية ... لا أحب قضاء الوقت مع زميلاتي ... دائماً أراهم أجمل منّي ... بياض بشرتهم ... جمال شعرهم ... حسن قوامهم ... جميل حديثهم ... ذكائهم ... أحس أنّي لا أنتمي إليهم ... أبداً ... أبداً “ ... تضمها خاتون ... تربت على ظهرها ... و تدعها تبكي لتخرج دموعاً حبيسة ... لتنفّس عن ما يختلج في داخلها ...

بعد عشر سنوات ... خاتون في حفلة تخرّجها من كلّية العمارة ... و وضحى بين الحضور ... فرِحةً لإنجاز خاتون العظيم ... و في نفسها تتراكم إحباطات عُمُر ... يتراكم فَشَلٌ صاحَبَها منذ مولدها ... و حتى هذه الساعة ... يعود بها الزمن ... لتدخل غرف الذاكرة ... تفتش عن أحداث سعيدة ... علها تنتشلها من حالة الكآبة التي سيطرت عليها للتو ... تتذكر والدها ... قبل موته ... الذي كان الداعم الحقيقي لها ... تجلس معه بالساعات ... تفضفض له عما يجول في خاطرها ... و هو مصغٍ لها ... و عينيه في عينيها ... يحس بما في داخلها ... حتى إذا ما انتهت و أخرجت كل مافي جعبتها ... أشر لها بيديه ... لتقترب منه ... و يضمها بقوة و كأنه يريد أن يُفرِغ منها هذا الحزن و هذه الكآبة ... لتنتقل من صدرها إلى صدره ... فهو يعلم أنه فانٍ ... بعد عملية استئصال ورم الحنجرة ... و التي لم تنجح ... ليرحل و يتركها مع والدتها الخرِفَة ... 

”وضحى ... وضحى ... أين ذهبت“ ... تنتبه وضحى ... لترى خاتون أمامها بلباس التخرُّج ... تقف متصنِّعةً ابتسامةً كبيرة ... ”مبروك خاتون ... عقبال ما نفرح بالدكتوراة ... إن شاء الله“ ... ترمقها خاتون ... و تستشعر حالتها ... ” عقبال ما نفرح فيك عروس ... يا وضحى“ ... بدون أن تنبس ببنت شفه ... تُطلق العنان لدموع حبيسة ... تتلقفها خاتون ... و تتركها تخرج أحزانها على كتفها ... فهي صديقتها الوحيدة ... و التي تفرح لفرحها ... و تحزن لحزنها ... صداقة حقه ... و قوية ... لم يفرقها  اختلاف المذهب ... لم يقف الفشل  أو النجاح في طريقها ... و لم يكن الجمال مقياساً لها ... روحين اجتمعتا على الحب ... و لم و لن يفرّق بينهما حَدَّ الإختلاف البغيض...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...