صغيراً كنت … و لا زلت … أتطلع إلى من هم أكبر مني بعين الإجلال … أعلم أن لديهم الكثير لأتعلّم … و أرغب بذلك بشدّة … أحاكي لبسهم … و طريقة تعاملهم مع الأحداث … و كلّي أمل أن أحوز على حكمتهم و صبرهم …
لم تكتمل فرحتي بهذه الساعة … ففي ذلك الصيف … وبينما كنت أعمل على تنظيف الساحة الرملية ... أمام البيت … خلعتها و علّقتها على إطار النافذة من الخارج … و تابعت عملي … لأنساها في مكانها طول الليل … و لا أجدها عند الصباح … كانت مصيبة أيّ مصيبة … أفقدتني معرفتي بالوقت طيلة المرحلة المتوسطة … حيث عنفني والدي على عدم حرصي عليها … و لم يشتري لي أخرى لثلاث سنوات تلت …
في الستينات … كان هناك نوع واحد من ساعات اليد … معظم الآباء يلبسون واحدة في معصم يدهم اليسرى … صناعة سويسريّة … ماركة ”وست إند“ … كان كبار السن يُطلقون عليها مسمى ”أم صليب“ … و ذلك لوجود رسمة صليب في داخلها كعلامة للشركة المصنّعة … ذات إطار و سوار فضي … شكله يشبه جنزير التراكتور … سهلة اللبس و الخلع … لها عقارب و أرقام فضية مطلية بالفوسفور الأخضر … تنير في الظلام … بحيث تعرف الوقت متى ما استيقظت … بدون الحاجة إلى فتح الإضاءة … خلفية الساعة مطلية باللون الأسود … من أجل أن تكون العقارب و الأرقام أكثر وضوحاً … و في خانة الساعة الثالثة … يوجد رقم تاريخ اليوم تحت عدسة مكبرة صغيرة … و الذي يتغير بصفة يومية … من الرقم ١ إلى ٣١ … و يحتاج أن يعدّل مع بداية كل شهر … إذا كان الشهر السابق أقل من ٣١ يوم … تحتاج أن”تعشّيها “ يومياً قبل أن تخلد إلى النوم … عادة عند أذان المغرب … و ذلك بإدارة مفتاح على جانبها … يقوم بلف زنبرك داخلها … يكفي لأن يمدها بالطاقة الحركية ليوم كامل … كانت هذه الساعة ضد الماء … فلا تحتاج لخلعها عند الإستحمام … وكيلها على ما أذكر ”الطيّار“ … و تباع بسبعون ريالاً …
يقوم والدي بإهدائي واحدة لدى دخولي المرحلة المتوسطة … فرحت بها أيّ فرحة … فبالحصول عليها … أكون قد دخلت عالم الكبار من أوسع أبوابه …بمجرّد ما أحكمت سوارها حول معصمي ... تَكَوَّنَ لدي ذلك الشعور … بأنني قد تركت عالم الطفولة … و انتقلت إلى عالم الرجولة … فقد صرت مسئولاً عن سبعون ريالاً حول معصمي … أتأكد من أن أناولها وجبتها اليومية … بلف مفتاح طاقتها … أو ماندعوه”زنجيل“ … إلى أقصاه … عند أذان كل مغرب …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق