الثلاثاء، 16 أبريل 2013

أم صليب

صغيراً كنت … و لا زلت … أتطلع إلى من هم أكبر مني بعين الإجلال … أعلم أن لديهم الكثير لأتعلّم … و أرغب بذلك بشدّة … أحاكي لبسهم … و طريقة تعاملهم مع الأحداث … و كلّي أمل أن أحوز على حكمتهم و صبرهم …

في الستينات … كان هناك نوع واحد من ساعات اليد … معظم الآباء يلبسون واحدة في معصم يدهم اليسرى … صناعة سويسريّة … ماركة ”وست إند“ … كان كبار السن يُطلقون عليها مسمى ”أم صليب“ … و ذلك لوجود رسمة صليب في داخلها كعلامة للشركة المصنّعة … ذات إطار و سوار فضي … شكله يشبه جنزير التراكتور … سهلة اللبس و الخلع … لها عقارب و أرقام فضية مطلية بالفوسفور الأخضر … تنير في الظلام … بحيث تعرف الوقت متى ما استيقظت … بدون الحاجة إلى فتح الإضاءة … خلفية الساعة مطلية باللون الأسود … من أجل أن تكون العقارب و الأرقام أكثر وضوحاً … و في خانة الساعة الثالثة … يوجد رقم تاريخ اليوم تحت عدسة مكبرة صغيرة … و الذي يتغير بصفة يومية … من الرقم ١ إلى ٣١ … و يحتاج أن يعدّل مع بداية كل شهر … إذا كان الشهر السابق أقل من ٣١ يوم … تحتاج أن”تعشّيها “ يومياً قبل أن تخلد إلى النوم … عادة عند أذان المغرب … و ذلك بإدارة مفتاح على جانبها … يقوم بلف زنبرك داخلها … يكفي لأن يمدها بالطاقة الحركية ليوم كامل … كانت هذه الساعة ضد الماء … فلا تحتاج لخلعها عند الإستحمام … وكيلها على ما أذكر ”الطيّار“ … و تباع بسبعون ريالاً …

يقوم والدي بإهدائي واحدة لدى دخولي المرحلة المتوسطة … فرحت بها أيّ فرحة … فبالحصول عليها … أكون قد دخلت عالم الكبار من أوسع أبوابه …بمجرّد ما أحكمت سوارها حول معصمي ... تَكَوَّنَ لدي ذلك الشعور … بأنني قد تركت عالم الطفولة … و انتقلت إلى عالم الرجولة … فقد صرت مسئولاً عن سبعون ريالاً حول معصمي … أتأكد من أن أناولها وجبتها اليومية … بلف مفتاح طاقتها … أو ماندعوه”زنجيل“ … إلى أقصاه … عند أذان كل مغرب … 

لم تكتمل فرحتي بهذه الساعة … ففي ذلك الصيف … وبينما كنت أعمل على تنظيف الساحة الرملية  ... أمام البيت … خلعتها و علّقتها على إطار النافذة من الخارج … و تابعت عملي … لأنساها في مكانها طول الليل … و لا أجدها عند الصباح … كانت مصيبة أيّ مصيبة … أفقدتني معرفتي بالوقت طيلة المرحلة المتوسطة … حيث عنفني والدي على عدم حرصي عليها … و لم يشتري لي أخرى لثلاث سنوات تلت …


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...