صغيراً كنت ... و لازلت ... للعيد فرحة لدى الأطفال لاتوازيها فرحه ... فرحة الملابس الجديده ... و الحلويات ... و العيديه ... و الزيارات ... طبعاً ... لاتوجد ملاهي في ذلك الوقت ... فالزيارات هي التي تجمع الأطفال مع أقرانهم ... ليلعبوا ... بسعاده ... و يزدادوا فرحاً ...
قبل ذلك ... يأخذني والدي إلى الحلاق .. لتحسين مظهر شعرنا ... و قَصِّه بقَصَّة ذلك الوقت "التواليت" ... يوجد حلاقٌ واحد في الصبيخه ... في شارع هاشم الخباز ... مقابل له غير بعيد ... نخرج من بيتنا مشياً ... ممسكاً بيد والدي ... الوقت بعد صلاة العصر بقليل ... الجو لايزال حاراً ... و الشمس تقذفنا بوابلٍ من أشعتها و كأننا في حربٍ معها .. أستظل بوالدي متجنباً أشعة الشمس المباشره ... و نمضي في طريقنا ... دخلنا الطريق المؤدي الى الخباز هاشم ... قبله بعشرة أمتار ... في الجهة المقابله ... محلٌّ صغير ... ذو بابٍ خشبي مفتوح على الجانبين ... واجهه زجاجيه ... في طرفها باب خشبي صغير مفتوح ... و قد كتب عليها ... باللون الأحمر ... "محمد أمين ... حلاقٌ باكستاني" ... لاأعلم لماذا تكتب الجنسيه أسفل الإسم ... لأن معظم الحلاقين في ذلك الوقت من ذات الجنسيه ...
ندخل المحل ... فنحن أول الزبائن ... المحل ضيق جداً ... على يمين المحل ... كرسي طوبل من الجلد البالي ملاصقا للجدار ... و آخر من الجهه المقابلة للواجهه ... و طاوله صغيرة في الركن بينهما ... عليها بعض المجلات ذات الصور الملونه ... مكتوبه بلغة غريبه ذات حروف عربيه ... كرسي جلدي للحلاقه في وسط المحل ... تقابله مرايا صغيره ... نسلم على الحلاق محمد أمين ... و يجلسني والدي على كرسي الحلاقه ... يقول والدي للحلاق أن يقص شعري "تواليت رقم ٢" ... و يغادر لشراء بعض الحاجيات ... من السوق القريب ...أنا جالسٌ وحيداً ... حول رقبتي منشفة كبيره ... تغطي صدري و ظهري ... و الحلاق محمد أمين يعوث فساداً في شعري ... بمقصه الصَدِأ ... و مشطه الصغير ... بحركاتٍ سريعة خاطفه ... باخَّاً رذاذاً من الماء بين الفينة و الأخرى ... أنا ملتزمٌ الصمت ... خائفاً من مقصه و أدواته ... ينتهي من استعمال مقصه ... يمسح أمام و خلف أذني و مؤخرة رأسي بقليلٍ من الماء... يستل موسى صدِأً ... كأنه سكين جزار ... يسحب الحزام الجلدي الطويل المربوط في الكرسي بحلقةٍ حديديه ... و يبدأ في سن الشفرة مُمَرِّراً إياها على الحزام الجلدي ذهاباً و إياباً ... حتى تيقن من حِدِّية الشفره ... يثبت أعلى رأسي بكفه الضخمه ... و يمرر الموسى فوق و خلف أذني محدِّداً نهايات شعري ... و أنا مغمضاً عيني ... خائفاً من هذا الجزار ... و متمنياً عودة والدي ... يمرر الموسى فوق أذني الأخرى ... آييييي ... لقد سحب الموسى بقوة قاطعاً طرف أذني من الأعلى ... أصرخ متألماً ... يرتبك ... يحضر منشفة ليمسح الدماء التي انفجرت من أذني ... في هذه اللحظه يدخل والدي ... ليرى هذا المنظر المخيف ... يرمي مايحمله على الأرض ... يركض صارخا في الحلاق ... يرمي بالمنشفة على الأرض ... يتأمل عن قرب ليرى فداحة الجريمه ... هناك شقٌّ في أعلى أذني ... يأخذ منشفةً مبلوله ... و ينظف أذني و رقبتي من الدماء ... الحلاق محمد أمين يحضر "شبَّه" ... يضعها على الجرح ... حيث أن للشبَّه خاصية عاليه في تجفيف و ايقاف الدم الجاري ... ينزلني أبي من الكرسي ... نجمع الحاجيات من الأرض ... و يخرج أبي مبدياً غضبه و انزعاجه مما جرى ... مع مرور وقتٍ طويل من هذه الحادثه ... لازال يقشعر جسدي عندما يمرر الحلاق الموسى قرب أُذُنَي ...
بارك الله فيك يبو فهدكتابات جميله
ردحذفاخوك محمد