السبت، 21 يوليو 2012

٧٨- أبي الحبيب

صغيراً كنت ... و لازلت ... أبي الحبيب ... أبي الذي يحرم نفسه عن الكثير ... ليسعدنا ... يعمل جاهداً و مكافحاً لراحتنا ... يسوق الشاحنة معظم ساعات النهار و الليل ... ليطعمنا و يكسينا ... لا أحس بالسعادة في هذا اليوم ... لاأدري لماذا ... يوم كئيب و ممل ...

رجعنا من المدرسه ... أنهيت جميع واجباتي المدرسيه ... قبل الغداء كالعاده ... نتناول وجبة الغداء البسيطه ... أمي تأمرنا أن ننام قليلاً ... فالقيلوله مهمة في هذا الجو الخانق ... نعمد على غمر شرشف في الماء ... نعصره ... و نتلحف به ... هواء المروحه يعبر من خلال الشرشف ... و يأتي إلينا بارداً ... طريقةٌ عمليه للتحايل على الجو الحار ... ننعم بالهواء البارد إلى أن ينشف الشرشف ... و نكون عندها ... في عالم الأحلام ...

أنا في الخط الفاصل بين عالم الواقع و الأحلام ... جلبة كبيره ... أصوات أبواب تفتح ... أنين يقض المضجع ... لازلت في المنطقه الرماديه بين الحلم و الواقع ... فلست أعي مايحدث حولي ... رأسي يؤلمني ... و هو مايحدث لي دائما عندما أكون نصف نائم و نصف صاحي ... أجلس بتثاقل ... و ثقل رأسي يعيدني إلى الوسادة من جديد ... تتزايد الضجه ... صوت والدتي الحبيبه ... تصرخ ... تبكي ... تتأوه ... يا ألله ماذا حصل ... أفز من فراشي .. أخرج مسرعاً من باب الغرفة الصغيره ... أنحرف يميناً ثم يسارا في اتجاه هذه الضجه ... أقف في أول الممر المؤدي إلي باب الرجال ... هناك والدتي تبكي ... الباب الخارجي مفتوح على مصراعيه ... خال والدي سويكت و رجلان غريبان يحملان والدي ... و يدخلانه إلى المجلس ... وجه أبي الحبيب مغطى بشاش طبي ... و ثوبه ملطخٌ بالدماء ... أمي المسكينه تسأل سويكت عن ما جرى ... أنا واقف ... مصدوم ... مفجوع ... لاأدري مالعمل ... أسمع تأوه أبي الحبيب ... وقلبي يتقطع لذلك ... خالي سويكت يقول "سلامات ... سلامات ... حادث بسيط ... و تستاهلون سلامته" ... حادث ... ياللهول ... أبي وقع له حادث ... ياللمصيبه ... يخرج الرجال و يغلقون الباب ... و يتركون والدي طريحاً في المجلس ...

تدخل أمي عليه ... تجلب فراشاً و أغطية ... تفرشها .. و تساعد أبي ليتسطح عليها ... تحمد الله على سلامته "سلامات يا بو بكر ... خطاك الشر ... طيب طيب إنشاء الله" ... أدخل إلى المجلس ... أقترب من أبي خائفاً ... أقف عند رأسه ... أنحني للأمام قليلاً ... يوجد شاشاً على رأسه و جبهته ... بقع الدم واضحة من خلف الشاش ... يديه و رجليه كذلك بها بعض الإصابات ... أنا مرتعب و خائف ... تدخل أخواتي و أخي غازي ... بهدوء ... يرتعبون من الموقف ... أول مرةٍ في حياتنا نشاهد أبي في موقف ضعف .. و ألم ... عيوننا حمراء و دموعنا تخط على وجناتنا ...

يؤذن لصلاة العصر ... أتوضاء ... و أصلي في المجلس بجانب أبي الطريح ... مكثراً من دعائي الطفولي ... بأن يتخطا أبي هذه الممحنه ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...