بدر ... شابٌ في العشرينات ... خلوق هادئ ... يحب الحياة ... و يحب الناس ... يقضي معظم وقته بين الكتب ... يُلقِّبه أخاه التوأم قمر ب "دودة الكتب" ... لأنه يقرأ كثيرا ... و يلتهم الكتب التهاماً ...
يحب الطبيعة ... و يحب توثيق جمالها ... بعدسته الجميلة ... دائماً ما يخرج قبل طلوع الشمس ... ليوثِّقَ ميلاد يومٍ جديد ... و قبل غروبها ليوثِّق نهايته ... فهو يحبُّ أن يبدأ يومه بجمال و ينهيه بجمال ... حسّاس لجمال ماحوله ... ليزيده جمالاً بعدسته ...
قمر ... أخاه التوأم ... شابٌ إنعزالي ... لا يحب الإختلاط بالناس ... يفضل أن يكون وحيداً ... يحتاج أن يكون تحت الملاحظة دائماً ... تَوَحُّدِي ... من الدرجة المتوسِّطة ... يحب أخاه بدر ... و يحب الخروج معه ... أحب التصوير تقليداً لأخاه ... و تغلَّب عليه في التقاط صورٍ خياليّة ... يقضي معظم وقته أمام جهاز الحاسب ... يرتِّب صوره و يضيف عليها ... لتزداد جمالاً ...
يعيش بدر و قمر مع والديهما ... في بيت جميل ... في ضاحيةٍ من ضواحي جُدة ... يقطنان في غرفةً واحدة ... كلٌّ منهما يعتني بالآخر و يحبه ... بدر هو مثل قمر الأعلى ... يقلِّدُه في مايعمل ... و يتقن ذلك التقليد لدرجة الإحتراف ... فالتَّوَحُّد لم ينقص من ذكاءه المتوقِّد ... و لم يؤثر على طموحه و استعداده للتعلُّم ...
في رحلة عمرةٍ صيفيّة ... قامت بها العائلة سوِيّاً ... و بينما كان بدر يحاول التقاط صورةٍ لبرج الساعة العملاق ... حدث تدافعٌ بين مرتادي المسجد الحرام ... و ابتعد قمر عن بقيَّة أهله ... و اختفى بين أكوام الأجساد الكثيرة ... بحثت عنه عائلته في كل مكان ... بدون فائدة ... لم يجدوا إلّا بطاقةً كتبها بدر و علَّقها في رقبة قمر ... تحتوي على رقم الهاتف ... تحسُّباً لمثل هذا الحادث ... و لكن مشيئة الله فوق حرص المخلوق ...
رجعت العائلة إلى بيتها ... بعد أن قضت ثلاثة أيّامٍ في مكة ... بحثت في كل مكان ... و عند كل شارع ... و في كل مشفى و كل إدارة مرور ... و بعد أن وزَّعت صورته على كل المحلات المجاورة للحرم و البعيدة عنه ... و وضعت وصفاً له تحت الصورة ... "فتى في الثالثة و العشرين ... توحدي ... أبيض ... أشقر الشعر ... يرتدي ثوباً أبيض ... و طاقيةً بيضاء ... و في عنقه كاميرا من نوع كانون ... على من يجده أو يراه ... الإتصال على والده محمد أمين ... على الرقم أدناه" ...
"ياترى أين أنت يا قمر ... ماذا تعمل الآن ... أنا واثقٌ أنك ذكي و أنّك علي مايرام" ... بدر في غرفته و هو يحدث نفسه ... يلتفت نحو السرير الفارغ بجانبه ... لتعود إليه ذكرياته مع قمر ... الأخ التوأم ... و تنطلق من عينيه دموعٌ حبيسة ... لتُخفِّف عنه ... و تُنَفِّس عن بعض مايشعر به من ضغط رهيب ...
يلزم بدر غرفته أسبوعاً كامل ... لايبارحها ... و كله أمل بعودة قمر قبل نهاية الأسبوع ... و لكن بدون فائدة ... قمر لايزال مفقوداً ... لا يزال في مكانٍ ما ... في يوم الجمعة ... قامت العائلة مبكِّراً و خرجت إلى البيت الحرام ... لأداء صلاة الجمعة عند البيت العتيق ... و الإكثار من الدعاء لعودة قمر سالماً إلى البيت ...
كعادته ... بدر لايترك فرصةً بدون تخليدها في صورةٍ جميلة ... كلما أعجبه تكوين ... أخرج عدسته لتوقف الوقت ... و يخلِّد هذه النقطة من الزمن ... في صورةٍ يخزِّنها في ذاكرة الحاسب عند رجوعه إلى البيت ... ليستعرض محصوله من الصور ... يحذف الكثير منها ... و يترك الجميل ... و بينما هو يستعرض الصور ... كانت هناك صورةٌ مُعيَّنه تشدُّه إليها ... صورة التقطها و السيّارة تتحرك ... بمحاذاة مطعم "البيك" ... حيث كان هناك الكثير من الناس ... أمام المطعم ... في انتظار فرصتهم للدخول ... و على يمين الصورة ... كان هناك شخص واقفٌ بعيداً عنهم ... عليه طاقيّة و في عنقه كاميرا سوداء ... كَبَّرَ بدر الصورة ... ليرى وجه قمر و هو يضحك ... فيصيح بصوته داعياً أبوه و أمه ... و الدموع في عينيه ...
يغادر الجميع البيت على الفور ... إلى مكّة ... إلى مطعم "البيك" ... ليجدوه واقفاً في نفس الموقع ... و هو يتناول غداءه واقفاً ... يقدمون عليه غير مصدقين ... يرمي غدائه ... يصرخ فيهم ... ألّا يقتربوا منه ... ببرود ... يرفع كاميرته ... و يلتقط صورةً لهم ...
والله انك لكاتب عظيم يا ابا فهد.في كل يوم اجد متنفسا في قراءة قصصك الرائعه. وفقك الله ورعاك. استمر فانا اتلهف لجديدك.
ردحذفنهايه رائعه
ردحذف