الجمعة، 18 يناير 2013

براءة

يركض في فناء المنزل بأقصى سرعة ... و عينين تراقبانه في خوف ... يقع على الأرض و هو يصيح بأعلى صوته ... تركض أمه إلى ناحيته ... يقوم واقفاً و ينطلق إليها ... يضم رجليها و هو لايزال يبكي ... تربت على رأسه و تقبله ... يستكين ...

سامر ... طفل لم يتعدّ السادسة من عمره ... نشيط جدّاً ... لدرجة ترعب أمه ... تخاف عليه أن يؤذي نفسه و هو في قمة نشاطه ... لايبالي بالمخاطر المحدقة به ... لايفكر فيما يقدم عليه ... يؤذى الأطفال الآخرين و يزعجهم ... حاولت أمه شتى الطرق لتعديل سلوكه و لكن بدون فائدة ... إذا عمل مايزعجها ... يُقْبِل عليها ضاحكاً ... و هي في قمّة غضبها ... ليقول لها كلمةً ينتزع بها غضبها ... لتتحول شفتاها من حالة الغضب إلى الضحك في أقل من دقيقة ... ليرمي نفسه في حضنها ... و يقبِّل رأسها ... فلا تجد ماتقوله ... تضمه إلى صدرها و تقبله ... لديه نظرات براءة مزعجة ... تجعل من حوله يكفُّون عن توبيخه ... و يكيلون له كلمات الحب و الإعجاب ... طفل من الممكن وجوده في كل بيت ... 

والد سامر رجل عمليٌّ جدّاً ... يرأس عدداً كبيراً من المهندسين و الخبراء ... و دائماً مايتخذ قرارات صعبة في حقّهم ... و لكنها قرارات مطلوبة من أجل استمرار العمل ... و تحقيق أهداف الشركة التي يعمل بها ... دائماً ما يتأخر في عمله ... و لا يجد الوقت الكافي ليقضيه مع إبنه ... و في نفس الوقت ينزعج من تصرفات إبنه ... و من عدوانيته ... و شقاوته الدائمة ... لدرجة إيذاء نفسه ... و إتلاف بعض أغراض البيت ... مما يُغضب والده ... ليعمد إلى ضربه ... و إيذائه ... مع العلم أن سامر تزيد شقاوته عند رؤية والده ... و ذلك من أجل أن يجلب إنتباه والده إليه ... حُبّاً فيه ... و رغبة في الحصول على عطفه ... 

في يومٍ من الأيّام ... جَدّد والد سامر ديكور غرفة مجلس الرجال رغبةً منه بأن يجسِّد المجلس ذوق صاحبه ... سامر يخرج من المجلس ... و في يده قلم خط أسود كبير ... و قد شخبط على ورق الجدران الجديد بكتابات و رسومات كثيرة ... تفاجأ والده عندما رآى ذلك ... نادى على سامر بصوت غاضب ... أتاه سامر يضحك كعادته عندما يقوم بعمل مشين ... و في ثورة غضب عارمة ... ضربه على وجهه ... ليقع على الطاولة الجديدة ... و يشجّ رأسه ... يركض ناحيته ... يحمله بيده ... ينطلق به مع والدته إلى المستشفى القريب ... ليقوموا بإسعافه ... وإيقاف النزيف ... و خياطة رأسة غرز عدة ... 

يعود والده بعد أن اطمأن عليه ... و تركه مع والدته في المستشفى ليكون تحت المراعاة ليومٍ واحد ... يدخل البيت ... و هو نادم على تصرفه الأرعن ... يدخل المجلس ليُطفأَ النور ... دم سامر على السجّاد الجديد ... يحس بضغط رهيب في حنجرته ... و بضيق شديد في صدره ... ماذا فعل ... ماذنب الصغير ليعاقب بهذا العقاب القاسي ... ينظر إلى ناحية خربشاته ... و يتمعّن النظر بها ... لتتفجر دموعه شلّالات من عينيه ... و يدخل في نوبة بكاءٍ من الأعماق ... ياإلهي ... سامر ... إبني ... حبيبي ... أي الآباء يقوم بما قمت به ... يخرج من المجلس ليعود إلى المستشفى ليُكَفِّر عن ذنبه ... و يترك النور مضاءاً ... و مُرَكَّزاً على خربشات سامر ... حيث رسمة قلبٍ كبير ... في وسطها رسالة حب كتبها الصغير لوالده ... "أحبك ... يا أبي" ...

"تم نشر هذه القصة في جريدة عكاظ، صفحة ثقافة العصر، في يوم الخميس ١٣ يوينو ٢٠١٣"

هناك تعليق واحد:

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...