صغيراً كنت ... و لازلت ... ألعب ... أدرس ... أشاهد التلفاز ... أستمع إلى المذياع ... أتأمّل ... أحلم ... أقرأ ... أرسم ... أجلس مع عائلتي ... أجلب الخبز ... أذهب إلى الدكان لشراء بعض الأغراض للبيت ...
لانعرف كلمة "زهق" في تلك الأيّام ... وقت الفراغ نقضيه في عمل شيء يُسعِدَنا و يُسعِدُ من حولنا ... لا توجد لدينا ألعاب مشتراة من "تويز آر أس" ... أقصى أملنا هو امتلاك دراجة بمائة ريال ... و أن يكون الجو صافياً لكي نستطيع الجلوس أمام التلفاز لمتابعة فيلم .. أيّ فيلم ... فالخيارات قليلة ... و محطات التلفاز معدودة ... و عندما تهب الرياح ... أو تقل رطوبة الجو ... يكون الإرسال التلفزيوني مُشَوَّشاً ... مما يصيبنا بالإحباط ... خصوصاً في وقت عرض المسلسلات التي نحبُّها ... علماً بأن إرسال محطات التلفاز ... يبدأ بعد المغرب ... و ينتهي في حدود العاشرة مساءاً ...
الجلوس مع العائلة ... كان ملاذٌ يومي ... حيث دائماً مانسمع جُمَلَ الثناء و التحفيز ... كان هوأفضل مكان نُنَفِّس فيه عن ما يسوءنا ... نحصل على الدعم لما لدينا من أفكار ... و نُعَزِّز ثقتنا في أنفسنا و في من هم حولنا ... و نحصل على جرعات حب و انتماء ... و نتعلّم ما لا نعرف ... و ندلي برأينا في أي موضوع ... حيث لنا صوت مسموع ... و تأثير إيجابي على الجميع ... فبالرغم من صغر أعمارنا ... إلّا أن أهلنا يثقون برأينا و بمشورتنا ... مما عزّز فينا الإعتماد على النفس ... و طرد منا الخمول و الخذلان ... رحمك الله يا أمي ... و عافاك الله يا أبتاه ... و جزاكم الله كل خير أخواني و أخواتي ...
في أيام الصيف ... عندما تشتد الحرارة ... و تزداد الرطوبة ... جلوسنا أمام المروحة الدوّارة هو متعتنا ... خاصة بعد غداء يوم الجمعة ... و نحن نشرب البيبسي البارد ... ذو القوارير الزجاجية ... ذات الحجم الضخم و الذي كان يعبَّأُ في عروس البحر "جدة" في تلك الأيام ... للتو جلبته من دكان "خلفان العماني" القريب ... أخترت قواريره الباردة بنفسي ... من صندوق خشبي مملوء ثلجاً و مغطّى بقطعةٍ من الخيش ... و سلّمته ربع ريالٍ عن كل قارورة ... و يتوجب علي إرجاع القوارير الفارغة قبل المغرب ... ليتسنى له إستبدالها بقوارير معبئة في صباح اليوم التالي ...
كيف للزهق أن يجد طريقه إلينا ... و نحن معاً دائماً ... و لدينا الكثير من الأحلام التي تراود مخيلتنا ... فحين نشعر بوحش بالفراغ و قد بدأ يُطبِقُ مخالبه على أعناقنا ... نطلق العنان لأرجلنا ... تأخذنا في رحلةٍ عبر الكثبان الرملية ... أو بجانب شاطئ البحر القريب ... لنملأ رِأَتَيْنا بالهواء العليل ... نملأها هواءاً جديداً ... محملاً بآمال جديدة ... و نزفر تعب يومنا و إحباطاته ... فنبدأ بعرض أحلامنا أمام أعيننا ... و نعيشها كما نريد ... إستعداداً منا للعمل على تحقيقها ... عندما تحين الفرصة المناسبة لذلك ...
ما ِلأبنائنا هذه الأيّام ... معظم أوقاتهم ضائعة ... و مع أن لديهم الكثير من الألعاب و الكتب ... دائما مايشعرون بفراغ نفسي رهيب ... و كثيراً ما أسمع منهم هذه الكلمة ... "زهقان ... زهقانه" ... لا أعلم لماذا يشعرون بهذا الفراغ بصفة دائمة ... هل لأنهم يملكون كل شيء ... فلا يوجد ما يُسعِدَهم؟ هل هو فراغ روحي ... لقلّة التزام بعضهم بواجبات دينهم؟ ... أم هو نتيجة نقص تحفيز و دعم من الأبوين؟ أدعو الله أن يبث فيهم روح المبادرة ... و تحفيزهم لعمل مايسعدهم ... و ينفعهم دنيا و دين ... اللهم آمين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق