متولع في السفر ... يكون في قمَّة سعادته عندما ترتفع عجلات الطائرة من سطح المدرج ... و هو بين ركّابها ... يحب التغيير ... و يحارب الروتين الحياتي ... يحب تجربة الجديد ... و الوصول إلى البعيد ... نقطة ضعفه الوحيدة ... سلسلة مفتاح غرفة الفندق ...
سافر إلى كل جهات الكرة الأرضية ... منذ تقاعده و هو في حِلٍّ و تِرحال ... و يحلم باليوم الذي سوف يرتاح فيه ... في كوخه الصغير ... في مزرعته المتواضعة ... في أعالي جبال النماص ... و قد قام بواجبه اتجاه نفسه ... بإكمال مجموعته ... و عرضها في الغرفة التي خصَّصَها لها ... ليستريح المحارب ... و يبدأ في اجترار ذكرياته ... و تخليدها بين دفَّتي كتاب ...
المُدرِّس ناصر في نهاية الخمسينات من عمره ... قضى عمره عازباً ... حُلُمُه أن تطأ قدمه كل حدود كرتنا الأرضية ... أن يمكث في كل دولة يوماً واحداً ... و يأخذُ منها تذكاراً واحداً يضمه إلى مجموعته ... و من أجل تحقيق ذلك ... تقاعد تقاعداً مُبَكِّرا ً ... و بدأ التخطيط لرحلاته حول العالم ... و قام بأوَّلِ رحلاته في أوّل سنة من تقاعده ... حيث قرَّرَ أن يبدأ بنصف الكرة الأرضية الجنوبي ... من أقصى دولة جنوباً ... من نيوزيلاند ... ثم يتجه شمالاً إلى جزر فيجي ... فشرقاً إلى كاليدونيا الجديدة ... فاستراليا ... فالجزر الغينية ... و هكذا حتى يدخل دول الشرق الأدنى فدول آسيا فالشرق الأوسط فإفريقيا ... ثم يطير إلى الأمريكتين في أقصى الشرق ... و ينتهي بالدول الأوروبية ... ليعود أدراجه إلى كوخه الصغير في النماص في جنوب غرب المملكة العربية السعودية ...
في أول رحلةٍ له ... أعجبته شكل سلسلة مفاتيح غرفته الفندقية ... فقرَّر أن تكون أول تذكار يجمعه في رحلته ... و هكذا صار يجمع سلاسل المفاتيح من جميع الفنادق التي زارها ... و يعلق فيها سلسلة بلاستيكية أخرى ... يكتب عليها إسم الفندق و موقعه و تاريخ السكن فيه ... و حينما انتهى من آخر دولة في القارة الأمريكية ... كان قد جمع أكثر من ثلاثمائة سلسلة مفاتيح ... تحكي قصة مغامراته ... و تاريخ رحلاته ... و قد واجه صعوبةً في بعض الأحيان ... لإصرار عامل الإستقبال على الحصول على المفتاح قبل إنهاء حسابه لديهم ... و يضطر بعض الأحيان إلى الكذب بأنه أضاع المفتاح ... ليدفع غرامة ليست بالبسيطة ... و لكنه يدفعها بسعادة ... لأن هذه السلسلة هي السبب الرئيس في رحلاته الكثيرة ...
بعد عامين من الترحال ... زار فيها جميع دول العالم ... و كوَّنَ مجموعته الكبيرة من سلاسل المفاتيح الجميلة ... التي بدأ في ترتيبها في غرفة العرض في كوخه في النماص ... أشكال غريبة ... بعضها ضخم الحجم ... و بعضها ضئيل ... ذات ألوان نحاسية و حديدية برّاقة ... بعضها مطلي بالكروم ... بعضها يلمع ذهباً ... و بعضها يلمع فضةً ... لاحظ أن المجموعة لاتزال ناقصة ... نعم هناك دولةٌ واحدة لم يزرها ... و هو يعلم أن عليه أن يُكمِل مجموعته من السلاسل ... فمن غير المعقول أن تكون هذه المجموعة الكبيرة تنقصها سلسلةٌ واحدة ... فقرّر أن يُكمِل المجموعة ... و يسافر إلى ريكيافيك ... العاصمة الآيسلنديّة ... فى أقصى الشمال على حدود جرينلاند ... من أجل إرضاء طموحه ... و إنهاء معاناة النظر إلى مكان السلسلة الفارغ ...
سافر ناصر إلى ريكيافيك ... في يومٍ عاصفٍ بارد ... ليصل إليها بعد معاناة ... و ينطلق من المطار إلى الفندق ... الجو مظلم في منتصف النهار ... الثلج يغطى جميع المساحات ... المفتوحة ... حتى الأشجار و سقوف المنازل قد اكتست ببياض الثلج ... منظر المنطقة موحش ... برد ... ثلج ... رياح ... ظلام ... هدوء ... حركة تكاد تكون منعدمة ... يصل إلى الفندق الوحيد في المنطقة ... يسجل بياناته ... و يعطيه عامل الإستقبال مفتاح غرفته ... ليتفاجأ ناصر بأن المفتاح عبارة عن كرت بلاستيكي ... "عفواً ... لا أريد كرتاً بلاستيكيّاً ... هل لي بمفتاح الغرفة الضخم" ... يقول ناصر لعامل الأستقبال ... "آسف ... و لكننا أبدلنا جميع أقفال الغرف ... بنظام ذكي ... و كروت ذكية" ... يرد عليه العامل ببرود ... يذهب ناصر إلى غرفته ليرتاح و قد اشتعلت نيران كثيرة في صدره ... لماذا غيروها الآن ... ألم ينتظروا حتى أنهي مجموعتي ... يمضي الليلة في غرفته ... ليعود بعد يومين إلى النماص ... يجلس في غرفة العرض ... مستعرضاً مجموعته الجميلة ... و التي لايشوهها إلاّ وجود كرتٍ بلاستيكيٍ أبيض في آخرها ...
رائعه يا بو فهد. شيقه بوجود فكره اخر سلسله لمدينة بأسوأ جو و نهابه غير متوقعه لكرت بلاستيكي. خيال واسع, لخلق قصه غايه في التشويق.
ردحذف