يمشي في الطرقات ... حاملاً كيساً صغير ... ضامّاً إيّاه إلى صدره بيديه الإثنتين ... قريباً من قلبه ... و هو يتحسسه كل حين ... و في عينيه حزن عميق ... و دمع حائر لايستطيع الخروج ...
رجل في منتصف العمر ... وجهه مليئ بخطوط خَطَّها الزمن حديثاً ... شعر وجهه غير مرتّب ... و قد غلب بياضه سواده ... على رأسه طاقية من الصوف القديم ... و قد برز شعره من فوق أذنيه بدون ترتيب ... يرتدي معطفاً قديماً ... ذو لون رمادي ... طوله قد امتد إلى ركبتيه ... ليبرز من تحته بقايا ثوبٍ صوفي بالٍ ... به عدداً من البقع الصغيرة و بعضاً من الثقوب ... و قد ارتدى نعالاً شهباء ... تُبرِزُ خشونةً موحشةً في قدميه ... هائماً على وجهه منذ أيّام ... يتردد إلى السوق بكيسه الذي يحمله ... و يعود به إلى بيته في آخر الليل ...
يستوقفه أحمد ... صاحب دكّان التمر المعروف ... "سعيد ... تعال ... أجلس معي" ... يأتي إليه سعيد ... يجلس ... و أحداثٌ كثيرةٌ تدور في داخل رأسه ... هموم كثيرةٌ تكاد أن تتفجّر من عينيه ... في قلبه أسى و حزنٌ دفين ... و في صدره ظُلم و حقد قديم ... يناوله أحمد فنجاناً من القهوة ... يرفعه و يقرِّبه إلى فمه ... يطلق زفرةً من أعماق أعماقه ... و يشرب القهوة في رشفةٍ واحدة ... يعيد الفنجان إلى أحمد و عينه لاتزال معلقةً في الكيس ... يقوم واقفاً و يغادر من غير هدى ... من دون أن ينبس ببنت شفه ...
لم يستطيع أحمد أن يقول أي كلمة ... فهو يعرف المهندس سعيد ... و يعرف مأساته ... و يعرف أن حياته انقلبت رأساً على عقب ... منذ وفاة زوجته الحامل ... و هي لاتزال في شهرها التاسع ...
فجأةً ... إذ بسعيد يصوِّتُ في السوق ... بصوت يقطّع نياط القلب ... و دموعه الحائرة قد استرسلت ... و انهمرت شلّالاً دافقاً من عينيه ... "من يشترى" ... "من يشتري" ... فأقدم عليه بعض المتسوقين ... و معظم أصحاب الدكاكين ... ففضولهم في ازدياد ... لمعرفة سر هذا الكيس ... الذي يحمله سعيداً جيئةً و ذهاباً ... لطيلة الشهر الماضي ... "رضّاعة طفلٍ يتيمٍ للبيع ... جديدة ... لم تُستعمل قط" ...
يالله يعووور القلب ..الله يعوضه .. وصفك وجمال تعبيرك اثر فيني ..مبدع يا أخي♡
ردحذفام الهنوف
ماشا الله عليك القصه مره مؤثره والوصف دقيق..تابع..زوجتك ام فهد
ردحذفمبدع يا ابي ووصفك دقيق مره ابنتك الصغيره ديمه
ردحذفالاحظ تحولك من المذكرات الى التاليف. بصراحه, اكثر من متالق. استمر ونحن نتلهف شغفا لجديدك.
ردحذف