الأحد، 20 يناير 2013

١٩١- جدران

عاشت معهم سنين طويلة ... تعودت على ترديد أصواتهم ...  على ضحكات صغارهم ... و لعب الكرة مع  أطفالهم ... تحتويهم عندما يسدل الليل أستاره ... تستر عليهم و تحرسهم عندما تُغْمِضُ أعينهم ... تُوزِّع نشاطاتهم على أرجاء البيت ... و لكنها حزينةً ليلة البارحة ...

فجأة ... إذا بمن تسهر عليهم و تحرسهم ... يحزمون أغراضهم و يلملمون أشيائهم... و هم في عجلةٍ من أمرهم ... تركوا قديم المتاع ... و أخذوا جديده ... عرَّوها من غطائها ... و من دفئها ... ليذهبوا إلى هناك ... بعدما شاخت و ترك الزمن عليها أثره ... إذا هم يبحثون عن الجديد ... يتركونها  خاليةً تشعر ببردٍ قارس ... و بهدوء مزعج ... لم تعتد عليه ... لسنواتٍ طويلة ... لتبكي بصوت صفير الرياح من خلالها ... و تموت بهروب الدفء من جنباتها ... لاتعلم ذنباً لها غير أنها كانت تحبهم جميعاً ... و لم لا يتركوها ... و هي ليست إلّا مجرّد جدران قديمة ... قد تَغَيَّر بياضها ... و زادت تشققاتها ... و مع ذلك فإنها لاتزال تحبَّهم ... لا تزال تحب تاريخاً عاشته معهم ... و ذكريات عاصرتها بوجودهم ... لاتزال تذكر ولادة الصغير ... و زواج الكبير ... لاتزال صورة أيّامً قضوها بين جنباتها ... تتردّد في مساحاتها الخالية ... لا يزال روتين حياتهم اليومي يتمثّل لها كل يوم ... في فتح باب ... و أثر خطوةٍ ... و صوت تلفاز ... و حديث نهار ... و حكاية ليل ... ترجوهم أن يبادروا بكتابة تلك الأيام ...  لحفظها من النسيان ... فالحكايات فيه تتحدث ... و الأفراح ترقص ... و الألم يإن ... و الحزن يبكي ... و الأمل يضحك ... و المستقبل يدعو ... و الماضي يحن ... 

هذا صوت جدران منزل قديم ... تركه أهله و انتقلوا إلى آخر جديد ... يدعوهم لتخليد أيامه ... و كتابتها بين دفَّتي كتاب ... ليبقى موجوداً في الذاكرة ... مع من يحبهّم و يحبّونه ... تخليداً لزمن مضى ... و توثيقاً لتاريخٍ قضى ... بارك الله لهم في جديد منزلهم ... و أنزل عليهم الرحمة و السكينة ... اللهم آمين ...

هناك 3 تعليقات:

  1. اعشق كتاباتك وسردك الدقيق للاحداث بوركت يااخي الحبيب

    ردحذف
  2. كلماتك تصور لنا الأحداث وكأننا نراها بأعيننا...رائع

    أختك
    أم خالد

    ردحذف

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...