الثلاثاء، 22 يناير 2013

١٩٤- صمت

تشتكي من صمته الدائم ... لايتكلَّمُ كثيراً ... يرد على قدر السؤال ... لا يحب أن يشارك في مناقشة الأمور ... يقوم بذلك فقط عند الحاجة ... و لا يتعمق في المناقشة كثيراً ... دائماً ما تشتكي من هربه من اتخاذ القرارات المهمة ... تشعر أن حياتهم صامتة ... و يقتلها هذا الصمت ...

تقول سعاد بأن هذا الصمت بدأ يأخذ طريقه للإجهاض على حياتنا الزوجية ... لا نتحدّث إلّا نادراً ... أقوم بأعمال البيت طول النهار ... أنظف البيت ... أغسل الملابس ... أطبخ ... أعتني بالأطفال ... أقاسي طول يومي ... و عندما يعود سالم من عمله ... يكون البيت نظيفاً ... و مرتّباً ... و الأطفال قد أنهوا واجباتهم ... و تناولوا عشائهم ... و ذهبوا إلى غرفهم ليناموا ... ليمر عليهم و يقبلهم و يتمنى لهم ليلة سعيدة ... ثم يدخل الحمام ليغتسل و يلبس و يجلس في الصالة ... أحضر له طعام العشاء ... نتعشى سويّاً ... نشاهد التلفاز قليلاً ... و نخلد إلى النوم ... أحدثه عن يومي ... و تعبي ... و يرد بكلمةٍ وحيدة "الله يعطيك العافية" ... أخبره عن خادمة جيراننا التي هربت ... و عن إبن أختي المريض ... و عن ثلاجتي التي لا تعمل كما كانت ... و عن ماقاله صغيري اليوم ... و عن نهاية مسلسلي التلفزيوني الجميلة ... و هو يرد على بابتسامةٍ باردة كلّ مرّة... و بدون أن يحرِّكَ شفتيه ...  لقد أصبحت حياتنا مُمِلَّة ... لا يتحدّث أبداً عن عمله ... و لا أعلم عنه شيئاً ... أعلم أنّه يُخفي الكثير في نفسه ... و أتمنّى أن يشاركني إيّاه ... ألسنا زوجين ... يجب أن يسكن كلّاً منّا إلى الآخر ... ألست سكناً له ... و هو سكناً لي ... يا الله ... أرغب في مشاركته لي الحلو و المر ... الجيد و السيء ... أحب أن يثق بي ... و يطلعني عن ما في نفسه ...  أقوم بجهد خرافي للبقاء على علاقتنا ... و أرجو أن يبذل هو الآخر جهداً لتحسين جودة حياتنا ... لنعود إلى أيّامنا أول زواجنا ... مليئةً حباً و إيثار ... أحبك يا سالم ُفأحبني ...

سالم ... رجل في الثلاثينات ... تزوج متأخر نسبيّاً ... و قد بلغ الثلاثين من عمره ... اعتاد الحياة وحيداً ... فهو وحيد أمه و أبيه ... لم يُكمل تعليمه الجامعي ... ترك الجامعة و فضَّل العمل بعد تقاعد والده ... ليساعد والده على نفقات معيشتهم ... عمل في شركة خاصة ... مسوولاً عن مطابع الشركة ... و لا يزال يعمل في نفس الشركة حتى الآن ...

قليل الكلام ... يسمع أكثر مما يتكلّم ... يفتح شفتيه بعد أن يحصل على جميع المعلومات ... يحللها ثم يدلي برأيه في الموضوع ... لا يحب الكلام في الأشخاص ... و لا في تصرُّفاتهم ... يحكم على الأفعال ... لا على النيّات ... لديه فلسفة خاصة عن الصمت ... يؤمن بأن الصمت عبادة ... و هي العبادة الوحيدة التي لا تحمِّل الإنسان أي مشقَّة ... لا يدخل في مهاترات و مجادلات مع الآخرين ... لإيمانه بأن معظمهم يجادل مناصرةً لرأيه ... لا بحثاً عن الحق ... و هو شخص موضوعي ... دائماً يبحث عن الحق ... حتى مع أعدائه ... غير معتاد على التحدِّث عن مشاعره ... يكتم إنزعاجه دائماً و لايبديه ... متسامحاً ... يصفح عن الجميع قبل أن يخلُد إلى النوم ... ليقوم الفجر بصفحاتٍ جديدة للجميع ... و قد مسح و نسى زلّاتهم ... صامتٌ في المجلس ... يسمع من هذا و هذا ... إذا نطق أصغى الآخرون ... فقد أكسبه الصمت حكمة ... دائماً ما ينتظرها جلساءه ... يقول أنّ آخر الأبحاث أثبتت أن الغربي يكون صامتاً ٧٥٪ و متكلماً ٢٥٪ ... بينما العربي يكون صامتاً ١٥٪ و متكلِّماً ٨٥٪ ... و خلال هذه ال ٨٥٪ يكون مجادلاً ليثبت رأيه و لو كان على باطل ... 

يشعُرُ سالم هذه الأيّام ببرودةٍ في حياتهم الزوجيه ... يقول سالم ... أعمل طول النهار ... عشر ساعاتٍ يوميّاً ... ضغوط العمل كثيرة ... و متطلّباته كثيرة ... أقاوم الجدل الذي لا أحبه طول اليوم ... مع أناس مُتسلِّطين ... يرغبون بأن أقوم بما يريدون ... و لو كان ضد أنظمة العمل ... و أنا لا أحب ذلك ... أقاوم جميع ذلك ... و ألتزم بالنظام السائد ... الذي يسود على الجميع ... أتصادم معهم بشكل يومي ... مما يسبب لي إنزعاج طول النهار ... قاد إلى إصابتي بارتفاع في ضغط الدم ... ضغط مستمر ينتهي بانتهاء اليوم ... لأذهب إلى بيتي ... و أنسى أي شيء له علاقةً بالعمل ... أقبّل أبنائي قبل نومهم ... ألعب معهم قليلاً على أسرَّتهم ... ثم أدخل الحمام لأتخلّصَ من همومي و إحباطاتي مع كل قطرة ماء ... لأخرج براحة نفسية و جسدية كبيرة ... أجلس لأتناول العشاء مع زوجتي الحبيبة ... مجرد جلوسنا متقابلين على سفرة الطعام ... يجلي همّي و يغسل درني ... دائماً ما تتحدّث عن مواضيع شتّى ... و أنا أنظر فيها و أبتسم ... شاكراً الله على هذه النعمة التي أشعر بأني لا أستحقّها ... إنّها تتعب كثيراً في تنظيف و ترتيب البيت ... و العناية بالأولاد ... لذا فإني أحب أن أنصت لها ... و أستمع إلى موسيقى نهاية جُمَلِها الممتعة ... لا أحب أن أزعجها بيوم عملي المرهق ... فالعمل ينتهي بمجرّد الخروج من بوّابةِ المكتب ... أحبك يا سعاد فأحبيني ...

هناك تعليق واحد:

قبل أن أكون

 قبل أن أكون يا ترى .. أين كنت قبل أن أكون؟ أكنت في عالم الذر بداية إلى أن كتب الله لأبي وأمي أن يلتقيا لأكون؟ نعم، لقد كنا أرواحا بلا أجساد...